وَكُلُّ ذَلِكَ تَحْقِيقٌ لِرُؤْيَةِ الْمُعَايَنَةِ، وَأَنَّهَا صِفَةٌ تَزِيدُ عَلَى الْعِلْمِ
فَإِنْ قِيلَ: مَعْنَاهُ رُؤْيَةُ الْعِلْمِ، وَأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَعْرِفُونَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ضَرُورَةً
قِيلَ: هَذَا غَلَطٌ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الرُّؤْيَةَ إِذَا كَانَتْ بِمَعْنَى: الْعِلْمِ، تَعَدَّتْ إِلَى مَفْعُولَيْنِ، وَذَلِكَ كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ: رَأَيْتُ زَيْدًا فَقِيهًا، أَيْ عَلِمْتُهُ كَذَلِكَ، فَأَمَّا إِذَا قَالَ: رَأَيْتُ زَيْدًا مُطْلَقًا، فَلا يُفْهَمُ مِنْهُ إِلا رُؤْيَةُ الْبَصَرِ، وَقَدْ حَقَّقَ ذَلِكَ بِمَا أَكَّدَهُ مِنْ تَشْبِيهِهِ بِرُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، وَذَلِكَ رُؤْيَةُ الْبَصَرِ لا رُؤْيَةَ عِلْمٍ
وَجَوَابٌ آخَرُ: وَهُوَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَشَّرَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَصْحَابِهِ بِذَلِكَ، وَهَذَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى يَخْتَصُّونَ بِهِ، فَأَمَّا الْعِلْمُ بِاللَّهِ فَمُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي الْقِيَامَةِ، فَيَبْطُلُ مَعْنَى بِشَارَتِهِ لِلْمُؤْمِنِينَ بِالرُّؤْيَةِ
وَجَوَابٌ آخَرُ: وَهُوَ أَنَّ فِي رِوَايَةِ أَبِي مُوسَى: " تَرَوْنَ اللَّهَ جَهْرَةً " وَهَذَا يَرْفَعُ الإِشْكالَ، لأَنَّ الرُّؤْيَةَ وَإِنْ كَانَتْ تُسْتَعْمَلُ فِي مَعْنَى الْعِلْمِ، فَإِنَّهَا إِذَا قُرِنَتْ بِلَفْظِ الْجَهْرِ لَمْ تَحْتَمِلِ الْعِلْمَ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ: {أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً} يَعْنِي عَيَانًا، وَكَذَلِكَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: " وَإِنَّ أَفْضَلَهُمْ مَنْ يَنْظُرُ فِي وَجْهِ رَبِّهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ " وَهَذَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ الْعِلْمَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute