الانْتِقَالِ وَهَذَا نَظِيرُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَجَاءَ رَبُّكَ} وَقَوْلُهُ: {هل يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ} وَقَدْ سَبَقَ الْكَلامُ فِي ذَلِكَ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: " أَقْرَبُهُمْ مِنْهُ مَجْلِسًا " فَلا يَمْتَنِعُ حَمْلُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ فِي الْقُرْبِ مِنَ الذَّاتِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} وَكَذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يُؤْتَى بِالْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُدْنِيهِ اللَّهُ فَيَضَعُ كَنَفَهُ عَلَيْهِ " وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى ظَاهِرِهِ فِي الدُّنُوِّ مِنَ الذَّاتِ، وَهَذَا الْخَبَرُ مَحْمُولٌ عَلَى ذَلِكَ.
فَإِنْ قِيلَ: يَحْمِلُ الْقُرْبُ عَلَى الْقُرْبِ مِنَ الثَّوَابِ وَالْكَرَامَةِ وَالرَّحْمَةِ.
قِيلَ: هَذَا لا يَصِحُّ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ رَحْمَتَهُ وَكَرَامَتَهُ وَثَوَابَهُ سَابِقٌ لِرُؤْيَتِهِمْ لَهُ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ إِنْ جَازَ تَأْوِيلُهُ عَلَى هَذَا جَازَ تَأْوِيلُ قَوْلِهِ: " تَرَوْنَ رَبَّكُمْ " عَلَى التَّعَطُّفِ وَالرَّحْمَةِ وَالْكَرَامَةِ، وَقَدِ اتَّفَقْنَا وَمُثْبِتُو الصِّفَاتِ عَلَى فَسَادِ هَذَا التَّأْوِيلِ، كَذَلِكَ هَهُنَا.
فَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} فَالُمْرَادُ بِهِ عِلْمُهُ لأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْعِلْمِ فِي أَوَّلِ الآيَةِ بِقَوْلِهِ: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ} فَوَجَب حَمْلُهُ عَلَى الْعِلْمِ.
٢٨٦ - وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ فِي قَوْلِهِ: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ} عَلِمَهُ لأَنَّهُ افْتَتَحَ الآيَةَ بِالْعِلْمِ بِقَوْلِهِ: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ} وَخَتَمَ بِالْعِلْمِ بِقَوْلِهِ: {إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: " مَنْ قَرَّب شِبْرًا قَرُبْتُ مِنْهُ ذِرَاعًا " فَإِنْ تَقَرَّبَ الْعَبْدُ إِلَيْهِ بِالأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَأَمَّا تَقَرُّبُهُ إِلَى عَبْدِهِ فَبِالثَّوَابِ وَالرَّحْمَةِ وَالْكَرَامَةِ، لأَنَّهُ رُوِيَ ذَلِكَ مُفَسَّرًا فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute