فأما التجلي فهو راجع إِلَى الذات وذلك غير ممتنع، كَمَا لَمْ يمتنع أن يتجلى للمؤمنين يوم القيامة جهرة وعيانا، وكذلك لا يمتنع أن يتجلى للجبل جهرة وعيانا، وَهُوَ أن خلق فِي الجبل رؤية حتى رأى ربه بأن أحياه وجعله عالما رائيا، ثُمَّ دكه بعد الرؤية، وجعله قطعا علامة لموسى فِي أَنَّهُ لا يراه فِي الدنيا
٣١٧ - وقد نا أَبُو القسم بِإِسْنَادِهِ، عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لما تجلى اللَّه جل اسمه للجبل طارت لعظمته ستة أجبل، فوقعت ثلاثة بالمدينة وثلاثة بمكة، فوقع بالمدينة أحد وورقان ورضوى، ووقع بمكة ثبير وحراء وثور".
فإن قِيلَ: يحمل التجلي عَلَى إظهار الفعل والتدبير.
قيل: إن جاز تأويل الخبر عَلَى هَذَا جاز تأويل قوله: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} عَلَى مجيء بعض ملائكته وكلامه لموسى دون اللَّه، وكذلك قوله:" ترون ربكم " عَلَى رؤية أفعاله، وَهَذَا لا يصح، كذلك ها هنا، وكذلك قوله:{وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَفِي الأَرْضِ} كَمَا حملته المعتزله عَلَى ظاهره فِي الذات دون الأفعال.
ويحتمل أَنْ يَكُونَ ظهور سبحاته أوجب دكه من غير أن يخلق فِيهِ إدراكا، كَمَا أن النار إِذَا لاقت الجبل أوجب تقطيعه وإن لَمْ يحصل فِيهِ إدراك، كَمَا قَالَ:" حجابه النور لو كشفها عَن وجهه لأحرقت سبحات وجهه كل شيء أدركه بصره "