ورواه ابن فورك، عَن يَحْيَى بْن أَبِي كثير، عَن عكرمة، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:" إن اللَّه تبارك وتعالى إِذَا أراد أن يخوف أهل الأرض أبدى عَن بعضه، وإذا أراد أن يدمر عليهم تجلى لَهَا ".
أما قوله:" أبدى عَن بعضه " فهو عَلَى ظاهره، وأنه راجع إِلَى الذات إذ ليس فِي حمله عَلَى ظاهره مَا يحيل صفاته، وَلا يخرجها عما تستحق.
فإن قِيلَ: بل فِي حمله عَلَى ظاهره مَا يحيل صفاته، لأَنَّهُ يستحيل وصفه بالكل والبعض والجزء، فوجب حمله عَلَى إباء بعض آياته وعلاماته تحذيرا ونذيرا.
قيل: لا يمتنع إطلاق هَذِهِ الصفة عَلَى وجه لا يفضي إِلَى التجزئة والتبعيض، كَمَا أطلقنا تسمية يد ووجه، لا عَلَى وجه التجزئة والبعض، وإن كنا نعلم أن اليد فِي الشاهد بعض من الجملة.
وجواب آخر: وَهُوَ أَنَّهُ لو جاز أن يحمل قوله: " أبدى عَن بعضه " عَلَى بعض آياته لوجب أن يحمل قوله: " وإذا أراد يدمر
تجلى لَهَا " عَلَى جميع آياته، ومعلوم أَنَّهُ لَمْ يدمر قرية بجميع آياته، لأَنَّهُ قد أهلك بلادا، كل بلد بغير مَا أهلك به الآخر.
وأما قوله:" تجلى لَهَا " فهو راجع إِلَى تجلي الذات، كَمَا حملنا التجلي للجبل أَنَّهُ تجلى ذات حين تقطع الجبل، كذلك ها هنا.
فإن قِيلَ: يحمل قوله " تجلى لَهَا " معناه آياته وأفعاله، لأَنَّ مَعْنَى التجلي هُوَ: الظهور، ولهذا يقال: جلوت السيف وجلوت العروس، إِذَا أظهرتها وأبرزتها، وَمِنْهُ قول القائل: