اعلم أن هَذَا حديث صحيح، يحمل عَلَى ظاهره، وأن ذلك الفعل كان من مُوسَى عَلَى الحقيقة، وأنه إدخال نقص عَلَى جارحة الملك ليكون محنة للملطوم إباحة للاطم، بأَنْ يَكُونَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أباحه ذلك، لأَنَّ اللَّه تَعَالَى أن يأمر بما يشاء من ذلك، ويأذن فيما شاء مِنْهُ
٤١٠ - وقد قَالَ أحمد فِي رواية ابن منصور ومنها: الحديث صحيح
٤١١ - وَقَالَ فِي رواية ابن القسم: نحن نقربه ونصدقه عَلَى مَا جاء فِي الأحاديث، وإنما يتكلم فِي هَذَا ويدفعه أهل الزيغ.
فقد نص أحمد عَلَى صحته والأخذ بظاهره، والوجه فِيهِ مَا ذكرناه.
وقد أنكر قوم من أهل الإلحاد هَذَا، وقالوا: إن جاز عَلَى ملك الموت العور جاز عَلَيْهِ العمى، وقالوا: لعل عِيسَى قد لطم عينه الأخرى فأعماه، لأَنَّهُ كان أشد كراهية للموت من مُوسَى، وذلك أَنَّهُ قَالَ: اللهم إن كنت صارفا هَذِهِ الكأس عَن أحد فاصرفها عني.
قيل: هَذَا غلط، لأَنَّهُ مَا كان يمتنع مثل ذلك فِي حق عِيسَى لو وجد وقد أثبته قوم من المسلمين وتأولوه عَلَى وجهين: أحدهما: أن اللَّه جعل للملائكة أن تتصور بما شاءت من الصور المختلفة، أَلا ترى أن جبريل عَلَيْهِ السلام أتى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صورة دحية الكلبي، ومرة فِي صورة أعرابي، ومرة أخرى وقد سد بجناحيه مَا بين الأفق، وَمِنْهُ قوله تَعَالَى:{فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا} قِيلَ: إن جبريل تصور بصورة رجل، وهذه الصورة الَّتِي يتنقل إِلَيْهَا تخيلات ليست حقيقة، فاللطمة أذهبت بالعين الَّتِي هِيَ تخيل وليست حقيقة