٤١٧ - وقد أومأ إِلَيْهِ أحمد فيما خرجه فِي الرد عَلَى الجهمية، فَقَالَ: إِذَا أردت أن تعرف أن الجهمي كاذب عَلَى اللَّه حين زعم أَنَّهُ فِي كل مكان وَلا يكون فِي مكان دون مكان، فقل لَهُ: أليس كان اللَّه وَلا شيء فحين خلق الشيء خلقه فِي نفسه أو خارجا من نفسه؟ فإن قَالَ: خلقه فِي نفسه كفرا؟ وإن قَالَ: خلقه خارجا من نفسه ثُمَّ دخل فيهم كان أَيْضًا كفر، حين دخل فِي مكان وحيز بل وحش، وإن قَالَ: خلقهم خارجا من نفسه ولم يدخل فيهم رجع عَن قوله وَهُوَ قول أهل السنة.
وهذا من كلام أحمد يدل عَلَى إثبات النفس، لأَنَّهُ جعل ذلك حجة عليهم، ولو لَمْ يعتقد ذلك لَمْ يحتج به، وقد أخبر بذلك فِي آي من كتابه منها قوله تَعَالَى:{كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} وقوله تَعَالَى: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} وقوله: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} وقوله: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي} ولأنه ليس فِي إثبات النفس مَا يحيل صفاته وَلا يخرجها عما تستحقه، لأنا لا نثبت نفسا منفوسة مجسمة مركبة ذات روح، وَلا نثبت نفسا بمعنى الدم عَلَى مَا تقوله العرب: لَهُ نفس سائلة وليست لَهُ نفس ويريدون بذلك الدم، لأَنَّ اللَّه سُبْحَانَهُ يتعالى عَن ذلك، بل نثبت نفسا هِيَ صفة زائدة عَلَى الذات، كَمَا أثبت لَهُ حياة ونفسا فقلنا حي بحياة، وباقي ببقاء،