الاهتمام والعناية بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وعدم تمييز صحيحه من سقيمه ومعرفة رجاله وأحوالهم وعدم التمكن من تطبيق ما رسمه علماء الجرح والتعديل لمعرفة الحكم على الحديث قبولا أو ردا صحة أو حسنا أو ضعفا بل حسب الكثيرين منهم معرفة ما دون في كتب العلماء المعتد بهم وما حكموا به على الحديث وتقليدهم في ذلك، ومادام أن الغالب على طلاب العلم في هذا العصر التقليد في معرفة درجة الحديث وهل هو مقبول أو مردود فإن الأليق بل المتعين تقليد الجهابذة النقاد كالعقيلي والذهبي وابن تيمية وابن القيم وغيرهم دون غيرهم ممن لم يكن من أهل الحديث فالصلاة خير من النوم واليد العليا خير من اليد السفلى ولا يصار إلى المتطبب ويترك الأطباء الحذاق المهرة.
٧- ذكر الشيخ ابن محمود في ص ٦ و ١٢ "أن من أسباب رد أحاديث المهدي كونها متناقضة متعارضة ومختلفة غير مؤتلفة" وقال في ص ٥١: "ومتى حاولت جمعها نتج لك منها عشرون مهديا صفة كل واحد غير الآخر مما يدل بطريق اليقين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتكلم بها" ثم ذكر أمثلة لذلك آخرها قوله: "ومهدي قال فيه رسول الله: " لا مهدي بعدي إلا عيسى بن مريم".
والجواب أن أحاديث المهدي كما قال أهل العلم مثل ابن القيم وغيره فيها الصحيح والحسن والضعيف والموضوع فما كان منها موضوعا أو ضعيفا لا يحتج به فإنه لا يلتفت إليه ولا يعارض به غيره، وأما ما صح منها فهو مؤتلف غير مختلف ومتفق غير مفترق وهو يتعلق بشخص واحد يأتي في آخر الزمان في زمن نزول عيسى عليه الصلاة والسلام من السماء وخروج المسيح الدجال وهو محمد بن عبد الله الموصوف بالمهدي والذي أخبر عن اسمه واسم أبيه ووصفه بالمهدي في عدة أحاديث هو رسول الله صلى الله عليه وسلم والواجب التصديق فيما أخبر به، ولم يفهم أحد من أهل السنة والجماعة قديما وحديثا فيما أعلم ما فهمه الشيخ ابن محمود من أن كل حديث أتى فيه ذكر المهدي يفيد تعدد من يوصف بالمهدي وأنه بناء على ذلك تكون الأحاديث متعارضة فيلزم ردها وإنكارها فإن الألف واللام في المهدي في جانب الخير كالألف واللام في الدجال في جانب الشر ولا يستفاد من كل حديث يأتي فيه ذكر الدجال موصوفا بصفة من الصفات تعدد الدجال فالدجال الذي جاءت الأحاديث المتواترة - بذكر خروجه آخر الزمان واحد غير متعدد ولا تعارض بين الأحاديث الواردة فيه والمهدي كذلك واحد غير متعدد ولا تعارض بين الأحاديث الواردة فيه، أما حديث لا مهدي إلا عيسى بن مريم فلم يستدل به أهل السنة على خروج المهدي وهو يعارض الأحاديث الواردة فيه وقد أجابوا عنه بكونه ضعيفا فلا يعارضها وعلى فرض صحته يكون المراد به لا مهدي كاملا معصوما إلا عيسى بن مريم وذلك لا ينفي إثبات خروج المهدي غير المعصوم كما قال ذلك بعض أهل العلم مثل القرطبي وابن القيم وغيرهما.
٨- وقال الشيخ ابن محمود ص ١٣:
"وفي البخاري أن موسى لما لقي ذا القرنين في مجمع البحرين وهاله ما رآه من تصرف ذي القرنين من قتله للغلام وبنائه للجدار الذي يريد أن ينقض وخرقه لسفينة المساكين الذين يعملون فيها في التكسب في البحر فضاق صدر موسى من تصرفه وعيل صبره فأراد أن يفارقه فقال له ذو القرنين: " يا موسى أنت على علم من الله لا أعلمه أنا وأنا على علم من الله لا تعلمه أنت" ثم قال: "وهكذا يقع تفاوت العلماء فيما علموه والاختلاف فيما فهموه". انتهى.
والملاحظ هنا ورود ذكر ذي القرنين ثلاث مرات ومعلوم أن صاحب موسى في هذه القصة هو الخضر وليس ذا القرنين وقد وردت تسمية صاحب موسى بالخضر في الحديث في صحيح البخاري.
٩- وقال الشيخ ابن محمود في ص ١٢ و ١٣ بعد كلام له في إنكار أحاديث المهدي:
لكن قد يعرض لتحقيق ما قلنا قول بعضهم بأن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قال بصحة خروج المهدي