وابن ماجه ولم ينتقل خطأ لأبي داود إلى الترمذي وابن ماجه. ولو خرج الترمذي مثلا في جامعه عن أبي داود حديثا قد أخرجه أبو داود في سننه لم يلزم أن يكون بذلك مقلدا له آخذا الحديث على علاته فهما من أوعية العلم ونقاده ولم يلزم أن يكون خطأ انتقل من عالم إلى عالم فقد يكون ذلك الذي انتقل صوابا والتحقق في ذلك سبيله دراسة إسناده ومعرفة ما قاله النقاد فيه، ثم إن وجود الحديث في كتب متعددة من طرق مختلفة يفيد القوة ويعرف به التواتر. قال الحافظ ابن حجر في شرحه لنخبة الفكر:"ومن أحسن ما يقرر به كون المتواتر موجودا وجود كثرة في الأحاديث أن الكتب المشهورة المتداولة بأيدي أهل العلم شرقا وغربا المقطوع عندهم بصحة نسبتها إلى مصنفيها إذا اجتمعت على إخراج حديث وتعددت طرقه تعددا تحيل العادة تواطؤهم على الكذب إلى آخر الشروط أفاد العلم اليقيني بصحته إلى قائله ومثل ذلك في الكتب المشهورة كثير" انتهى.
رابعا: ما أشار إليه مما ذكر عن الإمام أحمد أنه كان يستعير الملازم من طبقات ابن سعد فينقلها ثم يردها إليه قد ذكره بإسناده على نحو آخر الخطيب البغدادي في ترجمة محمد ابن سعد كاتب الواقدي في تاريخ بغداد إلى إبراهيم الحربي قال: كان أحمد بن حنبل يوجه في كل جمعة بحنبل ابن إسحاق إلى ابن سعد يأخذ منه جزأين من حديث الواقدي ينظر فيها إلى الجمعة الأخرى ثم يردهما ويأخذ غيرهما.
قال إبراهيم:"ولو ذهب وسمعها كان خيرا له"، وأورد كلام إبراهيم الحربي هذا الحافظ الذهبي في تذكرة الحفاظ في ترجمة محمد بن سعد.
ويتضح من هذا أن الإمام أحمد كان يستعير أجزاء من حديث الواقدي لينظر فيها ثم يعيدها وليس في ذلك أخذ للحديث على علاته من ابن سعد وتقليد له فإن الواقدي ضعيف جدا عند أهل الحديث. قال فيه الذهبي في الميزان:"واستقر الإجماع على وهن الواقدي"، وقال فيه الحافظ ابن حجر في التقريب:"متروك مع سعة علمه" والإمام أحمد نفسه قد اتهم الواقدي بالكذب كما نقله الخطيب وغيره في ترجمة الواقدي، ولعل هذا السبب الذي جعل الإمام أحمد لا يكترث بحديث الواقدي فيذهب إلى ابن سعد لسماعه منه ويكتفي بأن يستعير أجزاء منه ينظر فيها ثم يعيدها ليكون على علم بحديث الواقدي مع عدم الاعتماد عليه لكونه لا يعتد بصاحبه.
خامسا: ما ذكره من أن الشافعي كان يقول للإمام أحمد إذا ثبت عندك الحديث فادفعه إلي حتى أثبته في كتابي، قد ذكر معناه البيهقي في كتابه مناقب الشافعي أخرجه بإسناده إلى عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال:"قال لنا الشافعي أنتم أعلم بالحديث والرجال مني فإذا كان الحدث الصحيح فأعلموني إن شاء يكون كوفيا أو بصريا أو شاميا حتى أذهب إليه إذا كان صحيحا". ثم قال البيهقي:"وهذا لأن أحمد بن حنبل كان من أهل العراق فكان أعلم برجالها من الذي لم يكن من أهلها وكان أحمد عند الشافعي من أهلها وكان أحمد عند الشافعي من أهل العلم بمعرفة الرجال فكان يرجع إلى قوله فيهم"، ثم روى البيهقي بإسناده إلى حرملة قال سمعت الشافعي يقول:"خرجت من بغداد وما خلفت بها أحدا أتقى ولا أورع ولا اعلم وأظنه قال ولا أفقه من أحمد بن حنبل".
ومن الواضح أن الإمام الشافعي لا يكون بذلك ناقلا عن الإمام أحمد حديثا على علاته مقلدا له وإنما رغب الشافعي من الإمام أحمد أن يعلمه بما يصح لديه من الحديث مما لم يكن عنده حتى يذهب إلى ما دل عليه الحديث الصحيح ويعمل به وهو متفق مع ما نقل عنه في مسائل كثيرة من قوله:"إن صح الحديث فيها- أي في المسألة قلت به" ومتفق مع ما أثر عنه وعن غيره من الأئمة من أن الاعتماد عندهم على ما يصح من الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومتى كان الحديث عند الإمام أحمد بإسناد صحيح ثم يرويه عنه شيخه الإمام الشافعي ويحتج به فإنه بذلك متبع الطريقة المثلى في العلم والعمل وهو محمدة له لا مذمة.
سادسا: ولو أن الشيخ ابن محمود نسب هذه العادة وهي أخذ الحديث أو القول على علاته عن المعاصرين أو نقل ذلك كذلك من كتب المتقدمين إلى طلاب العلم في هذا العصر إلا من شاء الله منهم لما أبعد النجعة وذلك لقلة