وقد أحسن الشيخ أحمد شاكر في تخريجه أحاديث مسند الإمام أحمد حيث قال:"أما ابن خلدون فقد قفا ما ليس له به علم واقتحم قحما لم يكن من رجالها.." وقال: "إنه تهافت في الفصل الذي عقده في مقدمته للمهدي تهافتا عجيبا وغلط أغلاطا واضحة.." وقال: "إن ابن خلدون لم يحسن قول المحدثين الجرح مقدم على التعديل.. ولو اطلع على أقوالهم وفقهها ما قال شيئا مما قال.." انتهى.. ودخول ابن خلدون في ميدان الجرح والتعديل والحكم على الأحاديث بالضعف وهو ليس من أهل الصناعة الحديثية واغترار من اغتر بكلامه لا يبعد كثيرا عن معنى المقالة التي حكاها شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتوى الحموية إذ قال:"وقد قال بعض الناس: أكثر ما يفسد الدنيا: نصف متكلم، ونصف متفقه، ونصف متطبب، ونصف نحوي.. هذا يفسد الأديان، وهذا يفسد البلدان، وهذا يفسد الأبدان، وهذا يفسد اللسان"، فإن ابن خلدون وإن كان في التاريخ علما من الأعلام، فهو في الحديث من الاتباع المستفتين وليس من المتبوعين المفتين، والقاصر في فن كالعامي فيه، وإن كان متمكنا في غيره.
والواجب الرجوع في كل فن إلى أهله، ولا شك أن المرجع في الحديث لمعرفة صحيحه وسقيمه أوعيته ونقاده.. قال الحافظ ابن أبي حاتم في مقدمة كتابه الجرح والتعديل:
ثم احتيج إلى تبين طبقاتهم - يعني الرواة - ومقادير حالاتهم وتباين درجاتهم ليعرف من كان منهم في منزلة الانتقاد والجهبذة والتنقير والبحث عن الرجال والمعرفة بهم، وهؤلاء هم أهل التزكية والتعديل والجرح.
وقال أيضا:"فإن قيل: فبماذا تعرف الآثار الصحيحة والسقيمة قيل بنقد العلماء الجهابذة الذين خصهم الله عز وجل بهذه الفضيلة ورزقهم هذه المعرفة في كل دهر وزمان.." انتهى.. وإذا اقتصرنا على القرنين الثامن والتاسع اللذين عاش ابن خلدون فترة منهما إذ كانت ولادته سنة ٧٣٢ هـ ووفاته سنة ٨٠٨ هـ - نجد أن من أبرز العلماء المتمكنين في الحديث النبوي ومعرفة صحيحه وسقيمه ممن أدركته الوفاة خلال هذين القرنين الحفاظ الجهابذة النقاد الذهبي وابن تيمية وابن القيم وابن كثير وابن حجر العسقلاني وقد قالوا جميعا بصحة خروج المهدي في آخر الزمان استنادا إلى ثبوت الأحاديث الصحيحة في ذلك عندهم فقد صحح الذهبي جملة من الأحاديث الواردة في المهدي وذلكَ في كتابه تلخيص المستدرك وكذا شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه منهاج السنة النبوية وابن القيم في كتابه المنار المنيف في الحديث الصحيح والضعيف وابن كثير في النهاية وفي كتابه التفسير ونقل ابن حجر في كتابه فتح الباري جملة من أقوال أهل العلم في ذلك وسكت عليها، ومن ذلك كلام أبى الحسين الابري في تواتر أحاديث المهدي.
١١- حكى الشيخ ابن محمود عن ابن القيم في المنار المنيف في الحديث الصحيح والضعيف أنه يضعف الأحاديث الواردة في المهدي فقال في صفحة ٩ بعد أن أورد الأقوال التي ذكرها ابن القيم إجمالا قال:"ومن لوازم قوله - يعني ابن القيم - أن ما يزعمونه من خروج المهدي المجهول في عالم الغيب أنه لا حقيقة له"
وقال ابن محمود في ص ١٩:
"لهذا وقبل ذلك تنبه العلماء من المتقدمين والمتأخرين لرد الأحاديث - أي المتعلقة بالمهدي - التي يتلونها ويموهون بها على الناس فأخضعوها للتصحيح والتمحيص وبينوا ما فيها من الجرح والتضعيف وكونها مزورة على الرسول من قبل الزنادقة الكذابين وممن انتقد هذه الأحاديث وبين معايبها العلامة ابن القيم رحمه الله في كتابه المنار المنيف في الصحيح والضعيف" وقال أيضا في ص٣٥:
"وقد رأينا من يؤيد قول ابن خلدون من العلماء المتقدمين والراقين في العلم والمعرفة والاعتصام بالكتاب والسنة ومنهم العلامة ابن القيم فقد ذكر في كتابه المنار المنيف عن أحاديث المهدي وضعفها".
والجواب أن نقول: لم يضعف ابن القيم الأحاديث الواردة في المهدي كما يقول ابن محمود بل بين أن فيها الصحيح والحسن والضعيف والموضوع وذلك في كتابه المنار المنيف في الحديث الصحيح والضعيف ولا أدري كيف خفي ذلك على الشيخ ابن محمود فنسب إليه القول بتضعيفها مع أن كلامه رحمه الله واضح وصريح في تصحيحها والقول بثبوتها.. ومن ذلك أنه نقل كلام أبي الحسين الابري المتوفى عام ٣٦٣ هـ في تواتر الأحاديث الواردة في المهدي وسكت عليه ولم يتعقبه، وهو قول أبي الحسين الابري في كتابه مناقب الشافعي: وقد تواترت الأخبار