أولا: إن من سهل عليه أن يحكم على كل ما ورد في المهدي سواء كان في سنن أبي داود والترمذي وابن ماجه ومسند الإمام أحمد أو في غيرها من دواوين السنة النبوية من سهل عليه أن يحكم على كل ذلك بأنه موضوع مصنوع مزور مختلق مكذوب حديث خرافة بمثابة ألف ليلة وليلة كما أثبت بعض عباراته في ذلك في رقم ١٨ فإنه يصعب عليه أن يأتي بتحقيق معتبر لأن التحقيق المعتبر يحتاج إلى التأني والتثبت والإطلاع على المصادر المختلفة ومعرفة ما قاله أهل العلم المعتد بهم وأن لا يخرج ذلك التحقيق إلا بعد مدة طويلة ومن أراد أن يقف على التحقيق المعتبر بشأن المهدي المنتظر فيمكنه ذلك بالإطلاع على الرسالة التي أعدها الشيخ عبد العليم عبد العظيم الهندي ونال بها درجة الماجستير من قسم الدراسات العليا بجامعة الملك عبد العزيز بمكة والتي زادت صفحاتها على ستمائة صفحة وهي بعنوان: (الأحاديث الواردة في المهدي في ميزان الجرح والتعديل) والتي مكث في إعدادها مدة تزيد على أربع سنوات جمع فيها ما ورد في الموضوع من الأحاديث والآثار ودرس أسانيدها وبين ما قاله المحدثون عن أحوال رجالها وما قاله أهل العلم في صحتها أو ضعفها ونقل فيها الكثير من أقوال العلماء في تواترها وفي ثبوتها والاحتجاج بها وتكلم فيها في موضوع المهدي من مختلف الجوانب مما جعلها بحق أفضل وأوسع مرجع يرجع إليه في هذه المسألة.
ثانيا: قوله: "وقد عقدت في الرسالة فصلا عنوانه: (التحقيق المعتبر عن أحاديث المهدي المنتظر) شرحت فيه سائر الأحاديث التي رواها أبو داود والترمذي وابن ماجه والإمام أحمد والحاكم بما لا مزيد علي فليراجع" يفهم من قوله هذا أنه تكلم على كل الأحاديث التي لها تعلق بالمهدي مما رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه والإمام أحمد والحاكم وليس الأمر كذلك أما الحاكم فلم يرد له ذكر إطلاقا في ورقات الفصل السبع، وأما الترمذي فقد روى في جامعه في باب ما جاء في المهدي ثلاثة أحاديث الأول والثاني عن ابن مسعود وأبي هريرة:"لو لم يبق من الدنيا إلا يوم" الحديث وقد أورد الشيخ ابن محمود الحديث عند أبي داود فقال: روى أبو داود في سننه عن طريق أبي نعيم عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لبعث الله رجلا منا يملأها عدلا كما ملئت جورا" ورواه الإمام أحمد عن طريق أبي نعيم ورواه الترمذي أيضا.. انتهى.
والملاحظ في هذا شيئان أحدهما عزوه الحديث إلى الترمذي مع أن الترمذي لم يسنده إلا عن ابن مسعود وأبي هريرة. والثاني أن لفظ حديث علي عند أبي داود "لبعث الله رجلا من أهل بيتي" وليس لفظه "رجلا منا" كما نقل الشيخ ابن محمود وهذا اللفظ "رجلا منا" لفظ الحديث في مسند الإمام أحمد وأما الحديث الثالث عند الترمذي فهو حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعا: "إن في أمتي المهدي" الحديث لم يرد له ذكر في فصل التحقيق المعتبر في رسالة الشيخ ابن محمود، وأما ابن ماجه فقد روى في سننه سبعة أحاديث في باب خروج المهدي ولم يذكر الشيخ ابن محمود في فصله إلا ثلاثة من هذه الأحاديث السبعة وهي حديث أبي سعيد الخدري "يكون في أمتي المهدي" الحديث وحديث ثوبان "يقتتل عند كنزكم" الحديث وحديث أنس "نحن ولد عبد المطلب" الحديث وأما الإمام أحمد فقد عزا إليه الشيخ ابن محمود في الفصل الذي عقده ثلاثة أحاديث مع أن مسند الإمام أحمد فيه أحاديث كثيرة في المهدي غير هذه الثلاثة.
ثالثا: أن كلامه على الأحاديث التي أوردها لبيان ضعفها وبطلانها كما يريد لا يتسم بسمة التحقيق الذي يصلح أن يكون معتبرا وسأكتفي بإيضاح هذا بأمثلة من كلامه على بعض هذه الأحاديث.
المثال الأول: قال الشيخ ابن محمود في ص ٤٨:
"روى الإمام أحمد حدثنا أبو نعيم حدثنا ياسين العجلي عن إبراهيم بن محمد ابن الحنفية عن أبيه عن علي قال: "المهدى منا أهل البيت يصلحه الله في ليلة"، وقد رأيت من ينتقد هذا الحديث قائلا: والعجيب أن يكون المهدي بعيدا عن التوفيق والفهم والرشد ثم يهبط عليه الصلاح في ليلة ليكون في صبيحتها داعية هداية ومنقذ أمة ورواه ابن ماجه عن عثمان ابن أبي شيبة وقال: "ياسين العجلي ضعيف" فهذا من جملة الأحاديث التي فيه التصريح باسم المهدي لكنها ليست بصحيحة كما أشار ابن ماجه إلى تضعيفه ومن الأمر العجيب في هذا الحديث