كون المهدي بعيدا عن الهداية والتوفيق والرشد، ثم يهبط عليه في ليلة فيكون في صبيحتها هاديا مهديا ومنقذ أمة من جورها وفجورها".
أقول: بنى الشيخ ابن محمود إنكاره لهذا الحديث على أمرين:
أحدهما: أن ابن ماجه قال: "ياسين العجلي ضعيف".
والثاني: استنكار معناه وهو كون المهدي يصلحه الله في ليلة.
ويجاب عن ذلك: بأن ابن ماجه لم يضعف ياسين العجلي في كتابه السنن عندما أورد هذا الحديث عنه وليس من عادته في سننه أن يشير إلى أحوال الرجال، وإنما طبعة سنن ابن ماجه المشتملة على ترقيم الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي اشتملت أحيانا على إيراد كلام البوصيري في زوائد ابن ماجه عقب إيراد الحديث وهو من عمل الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي، ثم إن الذين ترجموا لياسين العجلي مثل الحافظ بن حجر في تهذيب التهذيب والحافظ الذهبي في ميزان الاعتدال لم يذكروا في ترجمته أن ابن ماجه ضعفه ولعل الشيخ ابن محمود لم يسبق إلى نسبة تضعيف ياسين العجلي إلى ابن ماجه، وحاصل ما قاله أهل العلم في تعديل ياسين العجلي أن عباس الدوري قال سمعت يحي بن معين قال: "ليس به بأس" وقال إسحاق بن منصور عن يحي بن معين: "صالح" وقال أبو زرعة: "لا بأس به" ذكر ذلك الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب ولم يزد ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل في بيان حاله على قول ابن معين وأبي زرعة أنه لا بأس به. وقال عنه الحافظ في التقريب: "لا بأس به"، أما ما قيل فيه من الجرح، فقد قال الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب. وقال البخاري: "فيه نظر" ولا أعلم له حديثا غير هذا يعني هذا الحديث انتهى، ولم يترجم البخاري لياسين في كتابه الضعفاء الصغير وترجم له في التاريخ الكبير ترجمة لم يزد فيها على قوله: "ياسين العجلي عن إبراهيم بن محمد بن الحنفية، روى عنه أبو نعيم والعكلي يعد من الكوفيين" وقد أورد البخاري الحديث في ترجمة إبراهيم بن محمد بن الحنفية بإسناد الإمام أحمد وقال: "وفي إسناده نظر" وقال الذهبي في الكاشف: ياسين العجلي عن إبراهيم بن محمد بن الحنفية وعنه وكيع وأبو نعيم: ضعيف وحاصل ما قيل في جرحه أن البخاري قال فيه: "فيه نظر" كما نقله الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب غير أن البخاري لم يورده في كتابه الضعفاء الصغير ولم يذكر هذا القدح في ترجمته في التاريخ الكبير وإنما قال في إسناده نظر يعني الحديث فيحتمل أن يكون ذلك النظر الذي في إسناد الحديث لكون ياسين العجلي ليس له إلا هذا الحديث وهو غير مؤثر ويحتمل غير ذلك مما لا يؤثر ويوضح عدم تأثير هذه الكلمة في قبول حديث ياسين العجلي أن الحافظ ابن حجر في ترجمته في تهذيب التهذيب أشار إلى ثبوت حديثه هذا فقال: "ووقع في سند ابن ماجه غير منسوب فظنه بعض الحفاظ المتأخرين ياسين بن معاذ الزيات فضعف الحديث به فلم يصنع شيئا" - انتهى.
وأما قول الذهبي في الكاشف: "ضعف" فهو إشارة إلى ما نقل عن البخاري بشأن ياسين وذلك غير مؤثر وقد رمز السيوطي في الجامع الصغير لحسن هذا الحديث واحد من أحاديث كثيرة دالة على ثبوت خروج المهدي في آخر الزمان. وأما القدح في هذا الحديث من جهة استنكار معناه فإن الشيخ ابن محمود تبع في ذلك محمد أبا عبية فإنه هو الذي قال هذا الكلام في تعليقه علن النهاية لابن كثير وقلده فيه ابن محمود ولا شك أن العقل السليم يتفق مع النقل الصحيح، وأي غرابة في معناه حتى يتعجبا منه تعجب المنكر لمقتضاه فالله على كل شيء قدير وهو فعال لما يريد ومن يهده الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا ومن أوضح الأمثلة في ذلك ما حصل لمن هو أفضل من المهدي ومن سائر الأمة سوى أبي بكر رضي الله عنه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقد كان من أشد الناس على المسلمين ثم تحول بقدرة الله وتوفيقه فصارت شدته على أعداء الإسلام والمسلمين وأصبح ذلك الرجل العظيم الذي إذا سلك فجا سلك الشيطان فجا غيره كما أخبر بذلك الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم.
وبعد هذا أقول: أي تحقيق معتبر قام به الشيخ ابن محمود في الكلام على الحديث؟ أهو إضافة كلام إلى ابن ماجه لم يسبق في إضافته إليه؟ أو هو التقليد للكاتب أبي عبية في إنكار معناه؟