الرعية في أرضه فشكاه إلى عمر فبعث إليه يقول: "أنصف فلانا من نفسك، وإلا فأقبل، والسلام"، فسارع الوالي بردّ الأرض إلى صاحبها، وفي خطاب له إلى أحد الولاة يقول: "إفتح لهم بابك، وباشر أمورهم بنفسك، فإنما أنت رجل منهم، غير أن الله جعلك أثقل منهم حملا".
وكتب رضي الله عنه إلى عامله أبي موسى الأشعري: "قد بلغ أمير المؤمنين أنه فشا لك ولأهل بيتك هيئة في لباسك ومطعمك ومركبك ليس للمسلمين مثلها، فإياك يا عبد الله أن تكون مثل البهيمة التي مرت بواد خصب، فلم يكن لها هم إلا السمن، وإنما حتفها في السمن، واعلم أن للعامل مردا إلى الله، فإذا زاغ العامل زاغت رعيته، وإن أشقى الناس من شقيت به رعيته".
وبلغه رضي الله عنه أن أميره على الكوفة قد بنى لنفسه منزلا فخما، وجعل عليه حاجبا، فأرسل محمد بن مسلمة رضي الله عنه وأمره أن يأخذ زيتا وحطبا ويحرق القصر، وأعطاه رسالة ليبلغها له "بلغني أنك بنيت قصرا اتخذته حصنا، وجعلت بينك وبين الناس بابا، فليس بقصرك، ولكنه قصر الخبال، لا تجعل على منزلك بابا يمنع الناس من دخوله، وتنفيهم به عن حقوقهم".
كتب إلى عمرو بن العاص واليه على مصر يقول له: "بلغني أنك تتكئ في مجلسك، فإذا جلست فكن كسائر الناس".
وقوله رضي الله عنه: "أنا في مال المسلمين كولي اليتيم، إن استغنيت استعففت، وإن افتقرت أكلت بالمعروف".
ونختم بهذا الحديث وإن لم يأت في ترتيبه مع الأحاديث "من استعمل رجلا على عصابة، وفيهم من هو أرضى لله منه، فقد خان الله ورسوله والمؤمنين" رواه الحاكم وصححه.
وحسبنا ذلك من كثير {أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُون}
أما عن حرية الفكر فيما يدعى بإعلان حقوق الإنسان، فمن في العالمين طُرًّا يضاهيها في هذا؟ لقد زخر كتابنا الأعظم في الحصن على إطلاق الفكر بآيات عديدة، وليست باثنتين أو ثلاثة، {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ} ، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} ، {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا} ، {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ} {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِم} {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} وكثير غيرها.
والتفكر عندنا ذو غايتين، نفكر في هذا الصنع الملكوتي الهائل، سواء ما ثبت منه كالسماء وما فيها من شمس وقمر وكواكب، والأرض وما فيها من هواء وفضاء وجبال ورمال، أو ما يتقلب فيها من عوارض إنسانية وحيوانية وزرعية، أو ما لا حصر له من عجائب هذه الصنعة الكونية المهيبة، فمن شأن الفكر في هذا أن يصلنا بغير انقطاع بالقوي الأعظم الذي صنع فأبدع، فنزداد به إيمانا وعليه اعتمادا وبه وثوقا، فنأمن في جنابه وننأى عن عذابه، لما فنينا في طاعته وتسابقنا إلى مرضاته، نتيجة للتفكر في ملكوته زيادة على تصديقنا برسالاته.
والغاية الثانية من التفكر لننتج بها فجاجا من أصول شريعتنا ومعين سنتنا، بما نسميه (الاجتهاد) ، تلك الفجاج التي نأخذ نورها من نور الله الذي أنزله الله على رسول الإسلام صلى الله