أمَّا عن الحرية الدينية التي ذكرها إعلان حقوق الإنسان فكان عليهم أن يتواروا خجلا من أن يذكروا شيئا عنها، لقد لقي المسلمون منهم أفظع ما لقي أهل دين من اضطهاد وإبادة، وزاد سعيرها اليوم بما هو صارخ في كل مكان يحتوى على أقلية إسلامية، إن اليهودية والنصرانية والشيوعية والهندوسية والبوذية ليس لهم جميعا اليوم إلا عدو واحد، هو الإسلام وأهله، وأصبح اليوم أرخص دمّ في العالم دمّ المسلم، في مدنية القرن العشرين وهيئة الأمم المختلفة ومجلس خوفها الحامي حمى الأمان والسلام على الأرض، إلا المسلمين فلا أمان لهم عندهم ولا سلام، وكل ذنبهم أنهم قالوا ربنا الله.
ونحن ماذا فعلنا لما هيمنا وحكمنا، وعاشوا أَقليات مصانة محفوظة في ظل شريعتنا السمحة، لقد قال في ذلك قائل هذين البيتين:
حكمنا فكان العفو منا سجية ... فلما حكمتم سال بالدم أبطح
وحسبكمو هذا التفاوت بيننا ... وكل إناء بالذي فيه ينضح
إننا لم نتمشق الحسام ولم نخرج سيوفنا من أغمادها إلا عندما نفذ الصبر وفاض الإناء، وَوصِفْنا من الحكم العدل بأننا ظلمنا، {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} ، وإذا كان علينا أن ندفع عن أنفسنا وأن نؤدب عدونا وأن نريه أن صبرنا ما كان إلا بأمر ربنا، فلما أمرنا كان شعارنا الخالد قوله تعالى {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى