للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[رأينا]

ومع أن ما في الشعر التعليمي- في عمومه- من مآخذ وعيوب أكثر مما فيه من حسنات وفضائل (وأن ما فيه من مثالب ونقائص لا يدعو إلى الدفاع عنه، والتحمس للقول بأن العرب قد عرفوه في أدبهم، نقرر أن الأدب العربي منذ جاهليته قد شارك في هذا اللون من الفن بكل أقسامه التي قدمناها:

(١) فبالنسبة للتاريخ وذكر القرون الخالية والأمم البائدة، قد امتلأ الأدب العربي بشعر الشعراء في ذلك، وقد كان ذلك أحد المنطلقات التي انطلق منها جماعة من الشعراء خصوصاً أولئك الذين كانوا على شيء من الثقافة الدينية والعلمية كأمية بن أبي الصلت، وعدي بن زيد... ١ الخ من ذلك قصيدة عدي في منشأ الخلق وقصته خلق آدم وحواء وهبوطهما من الجنة التي يقول فيها:

اسمع حديثاً كما يوماً تُّحدثه ... عن ظهر غيب إذا ما سائل سألا

أن كيف أبدى إله الخلق نعمته ... فينا، وعرّفنا آياته الأُولا

كانت رياح وماءٌ ذو عرانية ... وظلمة لم تدع فتقاً ولا خللا

فأمر الظلمة السوداء فانكشفت ... وعزل الماء عما كان قد سفلا

وبسط الأرض بسطاً ثمّ قدّرها ... تحت السماء سواء مثل ما فعلا

وجعل الشمس مصراً لا خفاء به ... بين النهار وبين الليل قد فصلا

قضى لستة أيام خليقته ... وكان أخرها أن صوّر الرجلا

وعاه آدم صوتاً فاستجاب له ... بنفحة الروح في الجسم الذي جبلا

ثم استمر الشاعر يتحدث عن خلق حواء وإسكانها مع زوجها الجنة، ونهيهما عن أكل الشجرة، إلى أن أخذ يتحدث عن العقاب الذي أنزل بالحية جزاء ما أغوت آدم وزوجه، فيقولن:

فلاطها الله إذ أغوت خليفته ... طول الليالي ولم يجعل لها أجلا

تمشي على بطنها في الدهر ما عمرت ... والترب تأكله حزناً وأن سهلا ٢


(١) انظر عدي بن زيد للدكتور محمد علي الهاسمي ص ١٣٣-١٧٧.
(٢) الحيوان للجاحظ بتحقيق الأستاذ عبد السلام هارون ج٤ ص١٩٧-١٩٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>