للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

فلبشر قصيدتان طويلتان رواهما الجاحظ في الحيوان، أولاهما في ذمّ فرق الإباضية والرافضة والحشوية، وذكر فيها أصنافاً من الحيوان، وتحدث عن أعاجيبها وطبائعها، وما تقتات به، مستدلاً بذلك على قدرة الخالق، وقد بدأها بالحكمة، فقال:

الناس دأباً في طلاب الغنى ... وكلهم من شأنه الختر

كأذؤب تنهشها أذؤب ... لها عواء ولها زفر

تراهم فوضى وأيدي سبا ... كل له في نفسه سحر

تبارك الله وسبحانه ... بين يديه النفع والضر

من خلقه في رزقه كلهم ... الذيخ والتيتل والعفر

ويعدد أصناف الحيوان، وكيف تعيش وتقتات، حتى ينتهي من ذلك إلى قوله:

إني وإن كنت ضعيف القوى ... فالله يقضي وله الأجر

لست إباضياً غبيّاًولا ... كرافضي غرّه الجفر

كما يغرّ الآل في سبب ... سَفْراً، فأودى عنده السفْر

كلاهما وسّع في جهل ما ... فعاله عندهما كفر

لسًنا من الحشو الجفاة الألى ... عابوا الذي عابوا ولم يدروا ١

والقصيدة الثانية تتحدث عن العالم وما فيه من المخلوقات المختلفة الأجناس، ويعدد الشاعر الحيوان وأوضاعه مستدلاً بذلك على حكمة الله، مستخلصاً من ذلك أن العقل وحده هو الذي ينبغي أن يهتدي به الناس، وألاّ يتخذوا غيره رائداً مرشداً كما يفعل من ضلوا واحتكموا إلى التقليد:

أما ترى العالم ذا حشوة ... يقصر عنها عدد القطر

أوابد الوحش وأجناسها ... وكل سبع وافر الظفر

وبعد أن يعدد أجناساً من الحيوان، يقول:

فكم ترى في الخلق من آية ... خفية الحسبان في قعر

أبرزها الفكر على فكرة ... يحار فيها واضح الفجر

لله در العقل من رائد ... وصاحب في العسر واليسر

وحاكم يقضي على غائب ... قضية الشاهد للأمر


(١) الحيوان للجاحظ ج٦/٨٤-٩١.

<<  <  ج: ص:  >  >>