للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكن يظل كل بيت وحدة قائمة بذاتها، ترض جانبا مستقلا من جوانب الفكرة العامة ١. يقول أبو العتاهية:

حسبك ما تبتغيه القوت ... ما أكثر القوت لمن يموت

الفقر فيما جاوز الكفافا ... من اتّقى الله رجا وخافا

إن كان لا يغنيك ما يكفيكا ... فكل ما في الأرض لا يغنيكا

إن القليل بالقليل يكثر ... إن الصفاء بالقذى يكدّر

ومنها:

لكل شيء معدن وجوهر ... وأوسط وأصغر وأكبر

وكل شيء لاحق بجوهره ... أصغره متصل بأكبره

مازالت الدنيا لنا دار أذى ... ممزوجة الصفو بألوان القذى

الخير والشر بها أزواج ... لذا نتاج، ولذا نتاج

من لك بالمحصن وليس محصن ... يخبث بعض ويطيب بعض

لكل إنسان طبيعتان ... خير وشر وهما ضدان

والخير والشر إذا ماعدّا ... بينهما بؤن بعيد جدا

وهكذا تمضي الأرجوزة التي يتضح فيها تعدد الموضوعات وتشتت الأفكار الذي رّبما كان السبب فيه أنها لم تنظم في وقت واحد، وإنما نظمت في أوقات متباينة متباعدة، كلما خطر للشاعر خاطر، وعنت له فكرة جديرة بالتسجيل أسرع إلى تسجيلها رجزاً وألحقها بدفتره٢.

ومن شعره هذا مذكراً بالموت وسكراته، لائماً على نسيانه والسهو عنه:

حتى متى تصبو ورأسك أشمط ... أحسبت أن الموت في اسمك يغلط

أو لست تحسبه عليك مسلّطا ... ويلي، وربك إنه لمسّلط

ولقد رأيت الموت يفرس تارة ... جثث الملوك وتارة يتخبط


(١) حياة الشعر في الكوفة للدكتور يوسف خليف ص٥٦٩.
(٢) المرجع السابق ص٥٦١.

<<  <  ج: ص:  >  >>