للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:
مسار الصفحة الحالية:

والرسول صلى الله عليه وسلم كان يأمر جنده بأن يظلوا في أماكنهم لا يتحركون أو يتحدثون أو يأتون بما يثير انتباه أعدائهم، وكانون بذلك يتركون العدو يتقدم ويتقدم ويظل في تقدمه، حتى إذا أصبح في مرمى النبال ألقوها عليهم، فتصيب منه العدد الكبير فوق ما تحدثه المفاجأة في نفسه، فيرتبك ويضطرب وتكثر إصابته ويزيد عدد قتلاه.

٦_ضرورة تغلغل العقيدة في نفوس المحاربين، فإن العقيدة المتغلغلة في نفوس المسلمين بلغت منهم منزلة تسمو على صلات الرحم والقرابة. فكان الرجل منهم يقتل أباه أو أخاه أو عمه أو قريبه من المشركين لا تأخذه فيه شفقة أو رحمة.

فها هو ذا عبد الرحمن بن أبي بكر يقول لأبيه بعد إسلامه – وكان يقاتل في صف المشركين يوم بدر-: "يا أبت لقد أهدفت لي يوم بدر مرارا فصدفت عنك " فقال أبو بكر رضي الله عنه: "لو كنت أهدفت لي أنت ما صدفت عنك"١.

وهذا أبو حذيفة بن عتبة ينظر إليه الرسول صلى الله عليه وسلم يوم بدر وقد سحبت جثة أبيه عتبة لتلقى في القليب فألفاه كئيبا قد تغير لونه فقال: "لعلك يا أبا حذيفة قد دخلك من شأن أبيك شيء" فقال أبو حذيفة: "لا والله ما شككت في أبي ولا في مصرعه، ولكني كنت أعرف من أبي رأيا وحلما وفضلا فكنت أرجو أن يهديه ذلك إلى الإسلام، فلما رأيت ما أصابه وذكرت ما كان عليه من الكفر بعد الذي كنت أرجو له أحزنني أمره" فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير وقال له خير٢.

٧_ معاملة الأسرى معاملة كريمة فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قبل الفداء، وفوق هذا أطلق سراح الأسير الفقير الذي لا مال له ولا شيء عنده يفتدي به نفسه.

وفي الختام فهذه غزوة بدر وتلك أسبابها ونهايتها وهي صفحة بيضاء مشرقة من صفحات تاريخنا دونها بإخلاصهم وإيمانهم آباؤنا الأولون. وليس لنا من سبيل إلى ما وصلوا إليه من عر ومجد، إلا أن نستن سنتهم، وأن نسير على طريقتهم وأن ننسج على منوالهم، وعندئذ يكون لنا بوعد الله ما كان لهم من عزة ومجد وكرامة، أرجو وآمل إن شاء الله، وما النصر إلا من عند الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.


١ الروض الأنف للإمام السهيلي ٦/١٨١ دار الكتب الحديثة تفسير بن كثير ٤ /٣٢٩.
٢ أبو الفداء ٣/٢٩٤ عن ابن إسحاق، السيرة لابن هشام ١/٦٤٠-٦٤١.

<<  <  ج: ص: