مكث النبي صلى الله عليه وسلم بضع عشرة سنة ينذر بالدعوة من غير قتال صابراً على شدة إيذاء العرب بمكة المكرمة واليهود بالمدينة المنورة، فكان يأتيه أصحابه ما بين مضروب ومجروح. يشكون إليه حالهم، ويطلبون منه السماح لرد العدوان بالمثل، فيقول لهم النبي صلى الله عليه وسلم:"اصبروا لأنيِّ لم أومر بالقتال"، حتى أن بعض أصحابه قتل من جراء العذاب، منهم سمية أم عمار بن ياسر، وزوجها ياسر، عذَّبهما المغيرة على إسلامهما ليرجعا عنه وماتا تحت العذاب١.
ثم تطورت الأحداث بعد ذلك، وتفنن المشركون في إيذاء المسلمين حتى أجمعوا أمرهم على قتل النبي صلى الله عليه وسلم فلما علم بقصدهم هاجر إلى المدينة المنورة، حيث استقبله أهلها بالترحاب وبايعوه على الإسلام.
ولم يكتف المشركون بمحاولتهم قتل النبي صلى اله عليه وسلم، بل ألبوا عليه القبائل الجاهلية لإبطال دعوته والقضاء عليها.
ومنع المستضعفون من المسلمين من الهجرة إلى المدينة فراراً بدينهم وانضماماً إلى إخوانهم. فكان أمام هذه المحاولات أن أذن للنبي صلى الله عليه وسلم بالقتال من قبل الله سبحانه وتعالى.
وإذا أمعنا النظر في النصوص القرآنية التي أمر الرسول فيها بالقتال رأيناها تعترف بأن الحرب وسيلة لدفع العدوان. اعترفت بها لأن طبيعة البشر كثيراً ما تقتضي إلى التنازع والبغي، والاعتداء على الحريات.
وإلى هذا يشير القرآن الكريم في قوله سبحانه وتعالى:{أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}(الحج آية ٣٩-٤٠) .
ففي هاتين الآيتين إذنٌ بالقتال، وتعليل له بما مني به المسلمون من الظلم والاعتداء، وما أكرهوا عليه من الإخراج من الديار والأوطان بغير حق، ويقول الله سبحانه وتعالى: {وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ
١ سيرة ابن هشام القسم الأول ص ٣٢٠ الطبعة الثانية مطبعة الحلبي ١٣٧٥-١٩٥٥.