للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
مسار الصفحة الحالية:

ينكتون بالحصى، ويقولون: طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه، وذلك قبل أن يأمر بالحجاب، فقلت: لأعلمنَّ ذلك اليوم، فذكر الحديث في دخوله على عائشة وحفصة ووعظه إياهما إلى أن قال: فدخلت فإذا أنا برباح غلام رسول الله صلى الله عليه وسلم على أسكفة المشربة، فناديت، فقلت: يا رباح استأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى أن قال: فقلت: يا رسول الله ما يشق عليك من أمر النساء، فإن كنت طلقتهن فإن الله معك، وملائكته، وجبريل، وميكال، وأنا، وأبو بكر، والمؤمنون معك. وقلما تكلمت –وأحمدُ الله- بكلام إلا رجوتُ أن يكون الله يُصدقُ قولي، فنزلت هذه الآية: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِنْكُنّ} {وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} فقلت: أطلقتهن؟ قال: "لا"، فقمت على باب المسجد فناديت بأعلى صوتي: لم يطلق نساءه، ونزلت هذه الآية: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُم} النساء/١٤١. فكنت أنا استنبطت ذلك الأمر.

وقال الإمام الشوكاني في معنى قوله تعالى: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ ... } الآية: أي إن تتوبا إلى الله فقد وجد منكما ما يوجب التوبة، ومعنى "صَغَتْ" عدلت ومالت عن الحق أو زاغت وأثمت، وهو أنهما أحبتا ما كره رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو إفشاء الحديث، وقيل المعنى: إن تتوبا إلى الله فقد مالت قلوبكما إلى التوبة، ومعنى {وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ} وإن تظاهرا بمعنى تتعاضدا وتتعاونا، والمعنى: وإن تتعاضدا وتعاونا في الغيرة عليه منكما وإفشاء سره، فإن الله يتولى نصره، وكذلك جبريل، ومن صلح من عباده المؤمنين والمقصود أبو بكر وعمر، فلن يعدم ناصرا ينصره، إذ بعد نصر الله له، وجبريل، وصالح المؤمنين، فإن الملائكة أعوان يظاهرونه٢.

* ومنها مرتان بلفظ (مولاهم) : ذلك في قوله تعالى {ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} (الأنعام آية ٦٢) .

وقد جاءت هذه الآية بعد قوله تعالى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ} (الأنعام آية ٦١) .

ومعنى الآيتين الكريمتين: أن الله تعالى فوق عرشه الذي قهر كل شيء وخضع لجلاله وعظمته وكبريائه كل شيء يرسل ملائكته يحفظون عباده، حتى إذا حان أجل


١ تيسير العلى القدير المجلد الرابع ص ٢٦٥، ٢٦٦.
٢ فح القدير الجزء الخامس ص ٢٥٠، ٢٥١، ٢٥٣.