أسلفت في الحلقة الأولى ما يتضمن أن معرفة الله جل وعلا هي المنطلق الذي تصح منه العبادة، إذ لو أنها قد انبعثت من غيره، لما انبسطت لها قاعدة ترتكز عليها، فلا يلبث صاحبها حتى يجدها تهوي به في مكان سحيق، وتستحيل هباءًَ منثورا، وكيف يعرض الإنسان عن معرفة خالقه وهو سبحانه يوالي عليه نعمه كل لحظة منذ ولادته حتى مماته؟ وكيف ينصرف عن التعرف على الحي القيوم الذي بيده مقاليد كل شيء، والذي لا يستغني عنه طرفة عين، ويسعى إلى التعرف على أفراد من البشر أمثاله، وهم لا يملكون له -فضلا عن أنفسهم- ضرّاً، ولا نفعاً، ولا يملكون موتاً، ولا حياةً ولا نشوراً؟
إن أول ما يجب على العبد أن يتعرف على ربه سبحانه، ليستطيع أن يحقق الغاية التي من أجلها خلق، وهي التي ذكر الله عز وجل في قوله:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ}(الذاريات آية ٥٦) ، إذ لا سبيل إلى تحقيق العبادة إلا عن طريق البدء بمعرفة الله تعالى، ولا يمكن للعبد أن يعبد من يجهله، وإلا كان تخبطا وضربا في تيه بيداء مهلكة.
ومن ثم بدأت أساهم - بقدر ما ييسر الله تعالى لي- في الكتابة في باب التعرف على الله تعالى باعتباره نقطة البدء في حياة المسلم، بادئا ببيان مفهوم الربوبية في أربع حلقات سابقة، ثم ثنيت ببيان مفهوم أسماء الله تعالى وصفاته في حلقة أولى مضت، وانتهيت فيها من بيان أسماء الله تعالى التي تضمنتها سورة الفاتحة.
وفي هذه الحلقة أعرض -بحول الله وقوته- بيان أسماء الله تعالى التي تضمنتها سور القرآن الكريم، مشيرا إلى ما تكرر من الأسماء في مختلف سور القرآن الكريم، بالصيغة ذاتها، أو بصيغ مختلفة.