للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
مسار الصفحة الحالية:

قالوا: ارجع إلى دين آبائك. فهم لن يدفعوا عنك شيئا من العذاب إن سايرتهم على ضلالهم. وإن الظالمين يتولى بعضهم بعضا في الدنيا ولا ولي لهم في الآخرة، والله ولى المتقين أي ناصر ومعينٌ المؤمنين المتقين في الدنيا والآخرة ١.

وأقول: إن أعظم شريعة، وأوسع شريعة، وأكمل شريعة عالجت كلّ جوانب الحياة في الدنيا والآخرة، والتي تولى الله سبحانه وتعالى تشريعها تفضلاً، ورحمةً، وهدايةً لأقوم طريق، وأنجى سبيل، خاتمةً للشرائع التي أنزلها الله تعالى إنما هي شريعة رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم. ومن ثم كان أمره تعالى إليه بقوله: {فَاتَّبِعْهَا} بمعنى أن يلتزمها ويأخذ بها نفسه. ثم يدعو إليها الناس جميعا، ليلتزموها ويأخذوا بها أنفسهم كذلك منهجا لكل نواحي حياتهم لينالوا فوز الدارين.

ومن ثم يبين لنا أنه لا نجاة للبشرية من حمأة الضلال، ودركات الفسق ووهدة الإلحاد، إلا باطّراح ما شرع البشر من قوانين صماء عمياء لا تبصر ما يصلح للإنسان، وما يهيئ له الحياة الطيبة، والانطلاق سريعا إلى اتباع الله تعالى الذي يعلم من خلق وما يُصلِحُ حياته، وهو اللطيف الخبير. ذلك بأن الله جل وعلا يتولى أمر المتقين الذين يجعلون بينهم وبين غضب الله وقاية تقيهم عذابه فهو سبحانه وليهم، وناصرهم بالحق على الباطل وأعوانه، وأما الظالمون فقد وكلهم سبحانه إلى أنفسهم يتولى بعضهم أمر بعض، فضاعوا وخسروا في الدنيا والآخرة.

وإنني حين تدبرت قوله تعالى: {فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} بما تحمله من إثبات ونفي: الإثبات بالأمر باتباع ما أوحاه الله سبحانه من شرع، والنفي بالنهى عن اتباع أهواء الجهال المارقين عن أمر الله، حين تدبرت ذلك جال بخاطري قوله تعالى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} وما ماثلها من الآيات بما تحمله كذلك من نفى وإثبات: النفي بأن يُكفَر بالطواغيت أيا كان نوعها من البشر، وما يشرعون من مناهج هابطة، ومن الجبابرة منهم والطغاة، ومن الموتى وما يتوهم المتوهمون من تأثيرهم في حياة الخلق وتصريفها وتدبير أمرها. والإثبات بأن يُخلَص الإيمان بالله إلها واحدا، تُجَرَّد له الأعمال وحده جميعا.

فالنفي والإثبات في معنى (لا إله إلا الله) هو أساس الإيمان: نفى العبودية لغير الله سبحانه عبادة وتشريعا واثبات العبودية له سبحانه عبادة وتشريعا. وذلك على أساس


صفوة التفاسير المجلد الثالث ص ١٨٥