وهو الحميد فكل حمد واقع ... أو كان مفروضا مدى الأزمان
ملأ الوجود جميعه ونظيره ... من غير ما عد ولا حسبان
هو أهله سبحانه وبحمده ... كل المحامد وصف ذي الإحسان
وإثبات الحمد الكامل له يقتضي ثبوت كل ما يحمد عليه من صفات كماله، ونعوت
جلاله، إذ من عُدم صفات الكمال فليس بمحمود على الإطلاق.
وغايته أنه محمود من كل وجه، ولا يكون محموداً من كل وجه وبكل اعتبار بجميع أنواع الحمد إلا من استولى على صفات الكمال جميعها، فلو عدم منها صفة واحدة لنقص من حمده بحسبه.
والحمد نوعان: حمد على إحسانه إلى عباده، وهو من الشكر، وحمد لما يستحقه هو بنفسه من نعوت كماله. وهو لا يكون إلا ما هو في نفسه مستحق للحمد، وإنما يستحق ذلك من هو متصف بصفات الكمال. وهي أمور وجودية، فإن الأمور العدمية المحضة لا مدح فيها ولا خير ولا كمال. ومعلوم أن كل ما يحمد فإنما يحمد على ما له من صفات الكمال، فكل ما يحمد به الخلق فهو من الخالق، والذي منه ما يحمد عليه هو أحق بالحمد. فثبت أنه المستحق للمحامد الكاملة، وهو أحق من كل محمود.
وأهل التوحيد الذين يعبدون الله مخلصين له الدين، ما في قلوبهم من محبة الله لا يماثل فيها غيرها، ولهذا فإن الرب محمود أولا حمدا مطلقا على كل أفعاله، وحمده تعالى على أفعاله أشير إليه في مثل قوله تعالى:{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّور}(الأنعام آية ١) ، وقوله:{الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ}(فاطر آية ١) ، وهو سبحانه محمود ثانيا على إحسانه إلى الحامد، وهذا حمد الشكر، وقد أشير إليه في مثل قوله تعالى:{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ}(الأعراف آية ٤٣) ، وقوله:{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}(المؤمنون آية ٢٨) .
والحمد ضد الذم، والحمد خبر بمحاسن المحمود مقرون بمحبته، ولا يكون حمد المحمود إلا مع محبته، ولا ذم المذموم إلا مع بغضه. والله سبحانه له الحمد في الأولى والآخرة. ولا تكون عبادة إلا إذا اقترنت بحب المعبود، ولا يكون حمد إلا إذا اقترن بحب المحمود. والله جل وعلا هو المعبود، وهو المحمود ولهذا كانت الخطب في الجمع والأعياد