للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
مسار الصفحة الحالية:

وأنوع المعاصي إلى نور العلم والإيمان، والأخلاق الحسنة، ولا يحصل منهم المراد المحبوب لله إلا بإرادة من الله ومعونة، ففيه حث للعباد على الإستعانة بربهم. ثم فسر النور الذي يهديهم إليه هذا الكتاب فقال: إلى صراط العزيز الحميد، أي الموصل إليه، وإلى دار كرامته، المشتمل على العلم بالحق والعمل به.

وفى ذكر العزيز الحميد بعد ذكر الصراط المتصل إليه إشارة إلى أن من سلكه فهو عزيز بعزة الله، قوي ولو لم يكن له أنصار إلا الله، محمود في أموره، حسن العاقبة، وليدل ذلك على أن صراط الله من أكبر الأدلة على ما لله من صفات الكمال، ونعوت الجلال، وأن الذي نصبه لعباده عزيز السلطان، حميد في أقواله، وأفعاله، وأحكامه، وأنه مألوه معبود بالعبادات التي هي منازل الصراط المستقيم١.

ومعنى الآية في صفوة التفاسير: أن هذا الكتاب المعجز مؤلف من جنس هذه الحروف المقطعة، فأتوا بمثله إن استطعتم، وقد أنزلناه عليك يا محمد لم تنشئه أنت، وإنما أوحيناه إليك، لتخرج البشرية من ظلمات الجهل والضلال إلى نور العلم والإيمان، بأمر الله وتوفيقه، إلى طريق الله العزيز الذي لا يغالب، المحمود بكل لسان، الممجد في كل مكان٢.

أقول:

واقتران اسم (الحميد) سبحانه باسم (العزيز) جل وعلا، أفهم منه أنه تبارك وتعالى هو العزيز بعظمته وجلاله وقدرته وقهره وغلبته وسلطانه على كل ما خلق، وأن العزة صفة من صفات كماله، فمن أرادها فليهرع إلى مالكها لينقذه من ذلته، ويعزه سبحانه بعزته، كما أمرنا تعالى {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً} (فاطر آية ١٠) ، ومع ذلك فلو نال العبد العزة من خالقه سبحانه، فإن عزته محدودةٌ بحدود تناسب بشريته وما جبلها الله عليه من طاقات وقُدرْات، لكن عزة الله ذي الجلال مطْلقَةٌ لاَ نِهَايَةَ لها تًناسب عظمته وجلاله. ورغم أنه جل وعلا العزيز القوي، الغالب، القاهر، فهو كذلك المحبوب، (الحميد) سبحانه، بمعنى المحمود المستحق أن يحمد بجميع أنوع المحامد، حتى ولو لم يحمده بعض العُمي المتخبطين ممن جحدوا نعمه وفضله وكماله وجلاله، إذ هو الجدير بكافة ألوان الحمد، والأهل لها، على وجه الثبات والاستمرار، ذلك بأن صفات كماله سبحانه – ومنها صفة العزة وصفة الحمد- ملازمة له لا تنفك عنه لحظةً ما، فمن أراد كذلك أن يحَمد على قوله، وعلى فعله، فليلتزمْ نهجَ (الحميد) سبحانه، ولنا في رسولنا الكريم محمد صلى


١ تيسير الكريم الرحمن الجزء ٤ ص ٦٠.
٢ صفوة التفاسير المجلد ٢ ص ٩٠.