للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
مسار الصفحة الحالية:

ومعنى الآية المذكورة عند الإمام الشوكاني: أن الملائكة قالت لامرأة إبراهيم عليه السلام إنكارا لتعجبها: كيف تعجبين من قضاء الله وقدره، وهو لا يستحيل عليه شيء؟ وقد كان إنكارهم عليها - مع كون ما تعجبت منه من خوارق العادة- لأنها من بيت النبوة، ولا يخفى على مثلها أن هذا من مقدوراته سبحانه، ولهذا قالوا: {رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ} أَي الرحمة التي وسعت كل شيء، أو النبوة والبركات وهي النمو والزيادة، أو الأسباط من بنى إسرائيل لما فيهم من الأنبياء. ومعنى {إِنَّهُ حَمِيدٌ} أي بفعل موجبات حمده من عباده على سبيل الكثرة، ومعنى {مَجِيدٌ} أي كثير الإحسان إلى عباده بما يفيضه عليهم من الخيرات ١.

والمعنى في تيسير الكريم الرحمن: أن الملائكة قالت لامرأة إبراهيم عليه السلام لا تعجبي من أمر الله، فإن أمره لا عجب فيه لنفوذ مشيئته التامة في كل شيء، فلا يستغرب على قدرته شيء، وخصوصاً فيما يدبّره ويمضيه لأهل هذا البيت المبارك، ولا تزال رحمته وإحسانه وبركاته عليكم أهل البيت، (إنه حميدٌ) أى حميد الصفات لأن صفاته صفات كمال، حميد الأفعال لأن أفعاله إحسان، وجودٌ، وبرّ، وحكمة، وعدلٌ، وقسط، وهو سبحانه (مجيد) أَي عظيم الصفات واسعها، فله صفات الكمال، وله من كل صفة كمال أكملها وأتمها وأَعمها ٢.

* أقول: والذي يبين لي من اقتران اسم (الحميد) سبحانه باسم (المجيد) جل وعلا، أَنه عز وجل قد عظمت ذاته وتمجدت على وجه مطلق، وتمجدت كذلك أَسماؤه الحسنى التي اختارها سبحانه لنفسه، والتي تضمنت جميع صفاته الكمال المطلق، ومن ثم فإن أفعال هذا الإله العظيم (المجيد) إنما هي جميعها أفعال عظيمة مجيدة في اختيارها، وتقديرها، وإنفاذها، ويستحق سبحانه على كل فعل منها كمال الحمد الذي لا يستحقه أحد غيره، سواءٌ حَمِدَهُ بالفعل عبادهُ، أم أعرضوا عن حمده، فهو جل وعلا- وحده- المستحقُ لكافة أنواع الحمد رغم أنوف كل الجاحدين المعرضين.

. وقد اقترن اسم (الحميد) كذلك باسم (الحكيم) في القران الكريم مرة واحدة ٣ في قوله تعالى: {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} (فصلت آية ٤٢) .


١- فتح القدير الجزء الثاني ص٥١١ ـ بقليل تصرف ـ.
٢ تيسير الكريم المنان الجزء الثالث ص٢٠٨ ـ بقليل تصرف ـ.
٣ المعجم المفهرس.