للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
مسار الصفحة الحالية:

واحدة ١. في قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ} (الشورى آية ٢٨) .

ومعنى الآية أنه بعد إياس الناس من نزول المطر ينزله عليهم في وقت حاجتهم وفقرهم إليه، كقوله عز وجل {وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ} وقوله جل جلاله {وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ} أي يعم بها الوجود على أهل ذلك القطر وتلك الناحية - قال قتادة: ذكر لنا أن رجلاً قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين قحط المطر وقنط الناس، فقال عمر رضي الله عنه: مُطِرْتُمْ، ثم قرأ {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ} أي هو المتصرف لخلقه بما ينفعهم في دنياهم وأخراهم، وهو المحمود العاقبة في جميع ما يقدره ويفعله ٢.

ومعنى الآية عند الإمام الشوكاني: أن الله تعالى ينزل المطر الذي هو أنفع أنواع الرزق، وأعمها فائدةً، وأكثرها مصلحةً من بعد ما أيِسَ الناسُ عن ذلك، فيعرفون بهذا الإنزال للمطر بعد القنوط مقدار رحمة الله تعالى لهم، ويشكرون له ما يجب الشكر عليه، وهو سبحانه (الوليُّ) للصالحين من عباده بالإحسان إليهم، وجلب المنافع لهم، ودفع الشرور عنهم، (الحميد) أي المستحق للحمد منهم على إنعامه خصوصا وعموما ٣.

والمعنى في تيسير الكريم الرحمن: أن الله تعالى ينزل المطر الغزير الذي به يغيث البلاد والعباد من بعد ما انقطع عنهم مدةً ظنوا أنه لا يأتيهم، وأيسُوا وعملوا لذلك الجدب أعمالاً، فينزل الله الغيثَ، وينشر به رحمتَه من إخراج الأقوات للآدميين وبهائمهم، فيقع عندهم موقعاً عظيماً، ويستبشرون بذلك ويفرحون، (وهو الوليُّ) الذي يتولى عبادَه بأنواع التدبير، ويتولى القيام بمصالح دينهم ودنياهم، وهو (الحميد) أي المحمود في ولايته وتدبيره، والمحمود على ما له من الكمال، وما أوصله إلى خلقه من أنواع الأفضال ٤.

- أقول: ومن اقتران اسم (الحميد) سبحانه باسم (الولي) جل وعلا قبله، يبدو لي أنه تبارك وتعالى يتولى أمر عباده بصفة عامة بخلقهم، وإبرائهم، وتصويرهم، ورَزْقِهِم، وتدبير أمورهم وتصريفها جميعاً، ويتولى كذلك أمرَ عباده المؤمنين بصفة خاصة بتوفيقهم دائما للخير والهدى، وتوجيه قلوبهم إلى التزام الحق والوقوف عند حدود الله، والبعد عن محارمه، وكل هذه الولاية من الله عز وجل- وهي أمر لا يقوى عليه سواه، ولو لم توفر


١ المعجم المفهرس.
٢ تفسير ابن كثير الجزء الرابع ص١١٦
٣ فتح القدير الجزء الرابع ص٥٣٥ ـ بقليل تصرف ـ.
٤ تيسير الكريم الرحمن الجزء السابع ص١٠٦.