اسميه الرحمن والرحيم اللذين يتضمنان صفة الرحمة العامة والخاصة دليلا على أنه الإله الواحد الذي لا تنبغي العبادة إلا له وحده، فالعبادة لا ينبغي أن تجرد إلا لمن كان كاملا على الإطلاق في أسمائه وصفاته، ومنزها عن كل نقص أو عيب.
ومثال ذلك أيضا: قوله تعالى: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّوم} (آل عمران آية ٢) .
فالاسمان: الحي، والقيوم، تضمنا صفتين لله تعالى: الأولى صفة الحياة، وهي تشمل جميع صفات كماله الذاتية، والثانية صفة القيومية وهي تشمل جميع صفات كماله الفعلية، حتى ورد أن الحي القيوم هما اسم الله الأعظم الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب هذان الاسمان جعلهما الله بما شملاه من هاتين الصفتين دليلا على توحيد الإلهيته، فقال قبلهما {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ} .
والذي يستقرئ القرآن الكريم، يجد من الآيات التي يستدل فيها بتوحيد الأسماء والصفات على توحيد الإلهية.
وكذلك السنة المشرفة لا تخلوا من النصوص التي توضح ذلك. ولنا إن شاء الله تعالى في هذا المبحث فضل بيان في المكان الذي يناسبه.
المالك (والملك والمليك) :
وكلها أسماء الله جل وعلا. واسم (الملك) يدل على أن الله وحده يملك هذا الكون، إذ هو سبحانه الخالق له وحده. وإذا كان الناس يملكون في هذه الحياة شيئا من أعراضها، ثم هم ينسبون ملكيته إلى أنفسهم فيقول قائلهم: هذه داري، وهذا بستاني، وهؤلاء أولادي، وهذه أموالي، فما كل أولئك إلا ودائع استخلفهم الله تعالى مالكها الأصيل عليها فترة من الزمن لتعمر الأرض بذلك، ثم هم لا بد ملاقوا ربهم، وتاركوا كل ودائعهم التي استخلفهم الله تعالى عليها لمالكها الأصلي رب العالمين.
لذا يقول تبارك وتعالى: {وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (آل عمران آية ١٨٠) ، ويقول تعالى: {وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ} (الحجر آية ٢٣) ، ويقول سبحانه: {إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} (مريم آية ٤٠) ويقول جل شأنه: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ} (القصص آية ٥٨) ، ويقول عز وجل: {وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} (الحديد آية ١٠) .
فلا بد من أن ترد الودائع وأهلها حتما لخالقها وخالق كل شيء سبحانه، وفي هذا يصدق قول من قال:
وما المال والأهلون إلا ودائع ... ولا بد يوما أن ترد الودائع
والمالك: هو من اتصف بصفة الملك من آثارها أن يأمر، وينهى، ويثيب، ويعاقب، ويتصرف بمماليكه بجميع أنواع التصرفات، وأصناف الملك١.
وقد ورد اسم المالك سبحانه في سورة الفاتحة في قوله تعالى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} (سورة الفاتحة آية ٣)
١ تيسير الكريم الرحمن الجزء الأول ص ١٥.