للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
مسار الصفحة الحالية:

وروى ابن أبي حاتم - بسنده - عن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أراد الله تعالى أن يوحي بالأمر، تكلم بالوحي أخَذَت السموات منه رجفة - أو قال رعدة - شديدة؛ خوفا من الله عز وجل، فإذا سمع ذلك أهل السموات صعقوا وخروا لله سجدا، فيكون أول من يرفع رأسه جبريل، فيكلمه الله من وحيه بما أراد، ثم يمر جبريل على الملائكة، كلما مر بسماء سأله ملائكتها: ماذا قال ربنا يا جبريل؟ فيقول جبريل: قال الحق وهو العلي الكبير، فيقولون كلهم مثل ما قال جبريل، فينتهي جبريل بالوحي إلى حيث أمره الله عز وجل من السماء والأرض".

١- وفي قوله تعالى: {ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ} (غافر آية ١٢) .

أقول: في هذه الآية الكريمة، نجد أنه قد ورد قبل الاسمين الكريمين (العلي الكبير) تقرير وتأكيد لأهمية توحيد الله عز وجل، وتوبيخ لأصحاب النار الذين يطلبون من ربهم أن يعيدهم إلى الدنيا ليعملوا صالحا غير الذي كانوا يعملون، لأنهم لم يقبلوا توحيد الله عز وجل في الدنيا، بل كانوا إذا دعوا إلى توحيده يكفرون، وإن يشرك به تعالى يؤمنون، فكان الحكم القاطع بعدم إجابتهم من الله العلي الذي ليس أعلى منه أحد، الكبير الذي ليس أكبر منه أحد، ومن ثم فلا حكم بعد حكمه سبحانه.

وقد ذكر الإمام الشوكاني في هذه الآية أن الله سبحانه بين لهم السبب الباعث على عد إجابتهم إلى الخروج من النار، وهو ما كانوا فيه من ترك توحيد الله وإشراك غيره به في العبادة التي رأسها الدعاء، ثم ذكر في قوله تعالى: {فَالْحُكْمُ لِلَّهِ} أي أنه وحده دون غيره، وهو الذي حكم عليهم بالخلود في النار وعدم الخروج منها، وفي قوله: (العلي) أنه المتعالي عن أن يكون له مماثل في ذاته ولا صفاته، وفي قوله: (الكبير) الذي كبر عن أن يكون له مثل، أو صاحبة، أو ولد، أو شريك٢.

أقول: ومن هنا يبين لنا أن الآية تدور حول بيان مدى أهمية قضية توحيد الله عز وجل، وجزاء من رفض توحيده سبحانه وأن الله (العلي الكبير) إذا حكم فلا معقب لحكمه.


٢ فتح القدير الجزء ٤ ص ٤٨٤.