فهذه نملة هداها الله إلى أن تدعوه وتقول: ليس بنا غنى عن رزقك. فاستجاب الله تعالى لدعائها، وسقى قوم سليمان بدعاء النملة كما ذكر سليمان لهم:(ارجعوا فقد سقيتم بدعوة غيركم) .
أقول: فلو أن الإنسان - الذي كرمه الله تعالى وفضله على كثير ممن خلق تفضيلا - علم أن خالقه سبحانه هو الغني الذي بيده وحده كل الخير، وواسع الفضل، وآمن بأنه لا يدعى ولا تطلب النعم إلا منه جل وعلا، لاطمأن قلبه من فزع الجوع وخوف الفقر، ولسلب أموره التي فوضها للعباد، وأدعيته التي وضعها بين أيديهم، ليضعها في يد خالقه الغني رب العالمين، الذي يقدر وحده أن يمده بما شاء من فضله، إذ إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.
وقد ورد اسم (الغني) مقترنا بما وصف به نفسه تعالى بقوله {ذُو الرَّحْمَةِ} مرة واحدة ١ في القرآن الكريم:
أقول: واقتران اسم (الغني) في هذه الآية بقوله تعالى: {ذُو الرَّحْمَةِ} أفهم منه أنه تعالى مع غناه المطلق الذي لا يحتاج به إلى واحد من خلقه، والذي به ينعم بما يشاء من النعم على خلقه، فهو تعالى رحيم بمن عصاه من خلقه، لا يعاجلهم بعقوبته فور عصيانهم، كما نرى المعهود بين الناس - ولله المثل الأعلى - فالغني منهم إذا عصاه عبده سرعان ما يوقع به عقوبته، محاولا أن يجعلها تناسب جرمه، لكن الله جل وعلا واسع الرحمة يمهل عباده العاصين لعلهم يرجعون إليه ويتوبون، وفي هذا يقول سبحانه:{وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً}(النحل آية ٦١) .
وقد ذكر الإمام ابن كثير في بيان قوله تعالى:{وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ} إلى قوله {قَوْمٍ آخَرِينَ} أنه الغني عما سواه، المفتقر إليه كل ما عداه، وهو مع ذلك رحيم بهم، فإن شاء أذهبهم إذا خالفوا أمره، ويستخلف من بعدهم ما يشاء من قوم آخرين يطيعونه، كما أذهب