للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
مسار الصفحة الحالية:

وقال الإمام الشوكاني في بيان الآية ذاتها: قيل إنه عبر بلفظ الكفر عن ترك الحج تأكيدا لوجوبه وتشديدا على تاركه، وقيل المعنى: ومن كفر بفرض الحج ولم يره واجبا، وقيل: إن من ترك الحج وهو قادر عليه فهو كافر، وما شرع الله تعالى لعباده هذه الشرائع إلا لنفعهم ومصلحتهم، وهو - تعالى شأنه وتقدس سلطانه - غني لا تعود إليه طاعات عباده بأسرها بنفع٣.

١- وفي قوله تعالى: {وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} (العنكبوت آية ٦) .

أقول: وقد سبق اسم (الغني) سبحانه في هذه الآية ببيان أن جهاد الإنسان - وهو عبادة عدت ذروة سنام الإسلام – لا ينفع سواه، وهكذا شأن كل أعماله، ولا ينفع الله شيئا، فهو سبحانه غني عن كل العالمين، ويتبين أن ذكر العبادة التي تجرد لله تعالى - وهذا من توحيده - سبق ذكرها اسمه (الغني) سبحانه وتعالى.

وقد ذكر الإمام ابن كثير في بيان هذه الآية الكريمة: أن من جاهد فإنما يعود جهاده على نفسه، فإن الله غني عن أفعال العباد، ولو كانوا على أتقى قلب رجل منهم ما زاد ذلك في ملكه شيء٤.

وقال الإمام الشوكاني في بيان الآية نفسها: أن من جاهد الكفار وجاهد نفسه بالصبر على الطاعات فإنما يجاهد لنفسه، أي ثواب ذلك له لا لغيره، ولا يرجع إلى الله سبحانه من نفع ذلك شيء، فلا يحتاج إلى طاعة العالمين كما لا تضره معاصيهم١.

٢- وفي قوله تعالى: {إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} (الزمر آية ٧) .

أقول: إن اسمه الكريم (غني) ذكر معه بيان أن عدم توجيه العبادات لله تعالى لعدم الإيمان به لا يضر الله شيئا، بل ضرره على صاحبه لعدم توحيده، ورغم هذا فالله تعالى لا يرضى لعباده أن يكفروا، ولكنه يرضى لهم أن يشكروا.

ويتبين من هذا ومما سبق من الآيات أن الأسماء الحسنى تذكر غالبا مقترنة مع بيان توحيد الله عز وجل، مما يؤكد أهمية توحيد صاحب هذه الأسماء الكريمة.


٣ فتح القدير الجزء الأول ص ٣٦٣- بتصرف قليل.
٤ تيسير العلي القدير المجلد الثالث ص ٢٨٤.
١ فتح القدير الجزء الرابع ص ١٩٣.