للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وكان الرق عند الفرس بدولتهم العظيمة التي امتدت في حدود آسيا المعروفة كثيرة، فكان الأرقاء الرعاة، والأرقاء المختصون بحاجات الزينة والثروة واليسار، ومنهم من خُصص لعمل القبائح المنكرة التي قضت بها خرافات القوم.

قال هيرودت: "ولا يجوز لأي قاس أن يعاقب عبده على ذنب واحد اقترفه بعقاب بالغ في الشدة والصرامة لكن إذا عاد العبد لارتكاب هذا الذنب بعدما أصابه من العقاب. فَلِمَولاَه حينئذ أن يعدمه الحياة أو أن يعاقبه بجميع ما يتصور من أنواع العذاب" ١.

ولعل الصين كانت في القديم من أكثر الدول اعتدَالا في معاملة رقيقها، فكان يستخدم للمنفعة العامة، وكانوا يجلبون الرقيق من الخارج بواسطة الحروب والأسلاب، أو يأخذونهم من البلاد بسبب الفقر والحاجة، لأن الفقير كان يضطر لبيع نفسه أو لبيع أولاده، وكان الاسترقاق في تلك البلاد قليل الشدة والصعوبة؛ لأن الشرائع والعرف والأخلاق كانت تساعد على تلطيف حاله. وقد ورد في أثارهم:

" إن الإنسان هو أفضل وأشرف المخلوقات التي في السماء والتي على الأرض، فمن قتل رقيقه فليس له من سبيل في إخفاء جرمه، ومن أخذت به الجرأة فكوى رقيقه بالنار، حُوكِم على ذلك بمقتضى الشريعة، ومن كواه سيده بالنار دخل في عدد الوطنيين الأحرار"٢.

وإذا تركنا آسيا وانتقلنا إلى أوربا لم يكن حال الرقيق بأحسن مما كان عليه الحال في بلاد فارس أو الهند.

فلقد كان المجتمع اليوناني المقسم إلى سادة وعبيد يبالغ في احتقار العبيد على الرغم من استخدامهم في سائر المرافق، وكانوا يعتقدون أن الأرقاء إنما خلقوا لخدمة السادة والأمراء، وكانوا يعتبرونهم جزءاً من الأرض يباعون ويشترون، وكان المورد الأساسي للعبيد عندهم الأسر في الحروب، وأهل البلاد المغلوبة التي يعملون فيها، وكانت القرصنة هي المورد الثاني للعبيد.

وعندما نشطت تجارة الرقيق في أثينا لم تقف مطامع النخاسين عند حد، وصار القرصان اليونانيون يخطفون المسافرين، والسكان الآمنين في الشواطئ الأفريقية والأوربية ويبيعونهم للناس في الأسواق من غير خجل ولا تكبر ٣.


١ الرق في الإسلام لأحمد شفيق ص ١٨.
٢ الرق في الإسلام لأحمد شفيق ص ١٨.
٣ معجم لاروس مادة " رق))

<<  <  ج: ص:  >  >>