للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وهاك نموذج آخر للتحريف وخيانة المنهج، وهو ما قاله هذا المُسْتَشْرِقُ عن هارون الرشيد، ذلك الخليفة العظيم، وعلاقته بالبرامكة، قال: «وكان هارون يحب جعفر حباً أطلق ألسنة السوء في علاقتهما الشخصية، ويقال: إنَّ الخليفة أمر بأنْ تصنع له جبة ذات طوقين، يلبسها هو وجعفر معاً، فيبدوان كأنهما رأسان فوق جسم واحد، ولعلهما كانا في هذا الثوب يمثلان حياة بغداد الليلية» (٢٩) (كذا).

انظر: مؤرِّخُ الحضارة، عملاق الفكر، وربيب الأكاديمية، وسادن العلم، وأستاذ البحث والمنهج، ينكر الحديث الثابت والخبر المتفق عليه، الذي تردَّد في كل الكتب تقريباً، «عن دَسِّ اليهود السُمَّ للرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -»، وَيُضِيفُ وَيُغَيِّرُ في خبر ثروة الزبير - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، ويأتي هنا بخبر (لقيط) لا يُدْرَى له أصل، فيحتفي به أيما احتفاء، بل يبني عليه من عنده، فيتَّخذ منه مناسبة ليطعن بغداد دار السلام عاصمة الدنيا كلها في ذلك الوقت، فيقول: «ولعلهما كانا في هذا الثوب يمثلان حياة بغداد اليلية» هكذا يقذف المجتمع كله بهذ الفرية، ولنا على هذا الكلام ملاحظتان:

الملاحظة الأولى:

أنَّ الخبر على فرض صِحَّتِهِ، كان الأولى به أنْ يعف عن ذكره، فلا (يُلَوِّثُ) به كتابه، ولا يؤذي به حياء قارئه، فهذا شأن العلماء، والباحثين، لا سيما وأنَّ الخبر في سياقه مقحم لا قيمة له، فإثبات قوة الصلة بين هارون الرشيد والبرامطة لا تحتاج إلى مثل هذا الفحش، الذي يعف عنه عامة الناس، بله كبار العلماء، (آهٍ متى يعود لأمَّتنا مكانها حتى تقيم حدود الله، وتجلد هؤلاء القذفة).


(٢٩) الجزء الثاني من المجلد الرابع (مسلسل رقم ١٣) ص ٩٣ سطر ٥ - ٨. ولا يعفي " ديورانت " أنه عزا هذا الكلام إلى " مرجليوث " في كتابه " محمد ومطلع الإسلام " بل إنَّ هذا يضاعف الجرم (أفعى ترضع سُمًّا) ويشهد بعراقة الإفساد، وتمكن الحقد من نفوس القوم، وإحكام الكيد وسوء المكر، وإنَّ الإنسان ليعجب أيَّ علاقة لهذا الكلام عن هارون الرشيد بكتاب عن " محمد ومطلع الإسلام "؟؟ أية منهجية هذه؟؟؟

<<  <   >  >>