أنَّ هؤلاء المُسْتَشْرِقِينَ دائماً يدعون إلى العقل، وتحكيم العقل في الخبر مهما كانت صحة سنده، والسؤال للمستشرق العملاق، هل يقبل عقلُ غافل (أي عاقل)، بله عقل متحضر، بله عقل (مؤلف عالمي) هل يقبل العقل أنْ يمشي رجلان في ثوب واحد؟؟ وكيف؟ وبأي سعة يكون هذا الثوب؟ وأيهما يمشي أولاً؟ وأيهما يمشي ثانيا؟ أم كان هناك إيقاع موسيقي يضبط حركتهما؟؟.
وإذا تركنا هذا الإمكان (العلمي)، فهل يقبل العقل أنَّ حاكماً في مثل منزلة هارون الرشيد كان فارغاً لهذا العبث، بل لهذا الفساد؟ وهل يعقل أنَّ من يصل إلى هذا الحد من (السقوط) يمكن أنْ يكون صاحب هذا التارخ الذي زحم الدنيا، من الغزوات والانتصارات والسفارات، والبناء، وقيادة (الدنيا كلها) في طريق الحضارة والنور، هذه الخطوات الفساح التي تمت في عهد الرشيد، هل يقبل عقلُ عاقل أنَّ هارون الرشيد الذي كان يقود الجيوش بنفسه، ويقضي الشهور تلو الشهور في ملابس الميدان، هذا الذي أَذَلَّ أباطرة الروم، ودفع عن ثغور المسلمين دسائسهم ومؤامرتهم، حتى مات مجاهداً ودفن هناك في (طوس) على أطراف دولته، بعيداً عن عاصمته و (قصره) مسيرة أيام، هل يعقل عاقل أنَّ هذا المجاهد يصل إلى هذا المنحدر من السقوط؟؟ إلاَّ في عقل هؤلاء المُسْتَشْرِقِينَ.
بل إنَّ جعفر البرمكي هذا كان قائداً مُحَنَّكاً، ولا شك أنَّ مُؤَرِّخَ الحضارة قرأ عن أعماله الحربية العظيمة، وأنَّ هارون الرشيد كان يرمي به في أخطر المآزق، ويلجأ إليه في أشق المضايق، فطالما قمع الفتنة، وردع