للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

من الموت، ومن كان في مثل حاله لا ينتظر منه صدق الثناء «١» . وبعد الأعشى وكعب، حسان بن ثابت، وهذا الشاعر كان أكبر شعراء الرسول ويمتاز بالصدق والإخلاص فقد كان يمدح ويقارع خصومه على الطرائق الجاهلية، وكان الرسول أوصاه أن يتعلم الأنساب من (أبي بكر) ليكون شعره أوجع في الهجاء.

وأقوى قصيدة في مدائح حسان هي العينية، فهو يقارع الخصوم ويلاحيهم، ويتخذ مدح الرسول ومدح أهله سنادا لما عمد إليه من المقارعة والملاحاة، وفيها يقول «٢» :

أكرم بقوم رسول الله شيعتهم ... إذا تفرقت الأهواء الشيع

أهدي لهم مدحي قلب يؤازره ... إن جدّ بالناس جدّ القول أو شمعوا

وهذه القصيدة تمجيد لأتباع الرسول صلى الله عليه وسلّم، والشاعر مدفوع إليها بقوة العصبية وليس فيها روح الدين إلا إشارته إلى وحي القلب. ويظهر لنا أثر الشجاعة الصوفية عند الفرزدق حين مدح علي بن الحسين، في حضرة هشام بن عبد الملك، وقوله حين رفض العطية مدحته لله تعالى لا للعطاء.

قال الفرزدق «٣» :

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته ... والبيت يعرفه والحل والحرم

هذا ابن خير عباد الله كلّهم ... هذا التقيّ النقيّ الطاهر العلم

هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله ... بجدّه أنبياء الله قد ختموا

ويقرن الشاعر شكر الله، بشكر آل البيت، ويرى أن حبهم دين، وبغضهم كفر والمدح لله هو عين التصوف.


(١) هناك من يخالف هذا الرأي، بأن الشاعر كان صادقا في مدحه.
(٢) الديوان: ص ٢٣٨- ٢٣٩- ٢٤٠.
(٣) الديوان: ص ٥١١.

<<  <   >  >>