فضليات النساء أدبا وفصاحة. وقد روت سبعة أحاديث متفقا عليها عند الشيخين، ومخرجة في الصحيحين. وقد لقيت ربها راضية مرضيا عنها سنة ست وخمسين للهجرة عن عمر يناهز خمسا وستين سنة، وقيل في رواية أخرى سبعين سنة.
ذكرت كتب التاريخ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان انتصر انتصارا ساحقا ماحقا على جموع الأحزاب الذين تحزبوا عليه من المشركين الذين دفعهم اليهود دفعا حتى يأتوا على المسلمين في ديار هجرتهم.
وكان المشركون أخيافا مختلفين، وأوزاعا متباينين اجتمعوا على عقيدة واحدة، وتحت راية واحدة لهدف واحد هو الإطاحة بالإسلام والمسلمين فما لبثوا أن أمكن الله تعالى منهم، وجعل أمرهم حديثا مضروبا فمكن الله من رقابهم سيوف الإسلام الماضية المشحوذة باليقين والإيمان.
في هذه الواقعة المشهودة (وقعة الخندق) لم يكن المسلمون غير ثلاثة آلاف موحد من عمالقة الفرسان والكماة الشجعان والمغاوير البسلاء، وكانت قريش قد أقبلت برجلها وعدتها وعتادها، وبأبطالها وفرسانها في عشرة آلاف من الأحابيش، يظاهرهم لفيف من بني كنانة وتهامة، ثم غطفان ومن والاهم من النجديين، وكان اليهود قد أماطوا اللثام، وحسروا النقاب عن وجوههم الكالحة، وضمائرهم المريضة السقيمة المعتلة، ونقضوا عهدهم، وجهروا بذلك، رافعين لواء الغدر والخيانة والخديعة ... واندفعوا على المسلمين مغيرين عليهم في اجتياح مروع حتى ضاقت على المسلمين الأرض بما رحبت ولم يكن لهم منجاة من الأمر إلا بالتسليم لله تعالى وتفويض الأمر إليه، والتوكل عليه، ومع أنهم زلزلوا زلزالا شديدا، وكسر في ذرعهم، فقد حفر المسلمون الخندق بمشورة وبرأي سلمان الفارسي.