النيل وصفاء مائه، وخضرة شاطئه، وطيب واديه ... ثم حملت منه وأنجبت له الولد ...
فما المانع إذن أن تكون الحوادث مكرورة، وأن التاريخ- عندما يكون الحظ مواتيا- لا يستبعد أن يعيد نفسه مرة أخرى، فإنها ربما كانت صورة مكرورة، أو معادة مما سبق مع المصرية الحسناء الخلوب هاجر، ثم ضرب عليها الحجاب شأن أمهات المؤمنين، فأرضاها ذلك كل الرضى ...
وكان خبرا سارا ومثيرا أن أعلن أن مارية القبطية صارت حاملا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولذلك فإنه حرصا عليها وعلى جنينها الذي يسكن في أحشائها ورغبة في راحتها نقلها صلى الله عليه وسلم إلى «العالية» بضواحي المدينة، لمزيد من العناية وتوفيرا للراحة.
ولأجل مارية القبطية أم إبراهيم عليه السلام، وكذلك هاجر أم إسماعيل عليه السلام أيضا جد العرب العدنانية، أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبط مصر خيرا ...
وفي صحيح الإمام مسلم بن الحجاج عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنكم ستفتحون مصر، وهي أرض يسمى فيها القيراط، فإذا فتحتموها فأحسنوا إلى أهلها، فإن لهم ذمة ورحما» ، أو قال:«ذمة وصهرا»«١» .
ولذلك فإنه لما كان فتح مصر سنة عشرين ذكر عمرو بن العاص في
(١) وفي رواية: «استوصوا بأهل مصر خيرا، فإن لهم نسبا وصهرا» صحيح مسلم. راجع أيضا فتوح البلدان (ص ٢٢٠) والنسب من جهة هاجر أم إسماعيل عليه السلام، والصهر من جهة مارية القبطية رضي الله عنها.