«عام الحزن» لأن الحزن نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم نزولا صعبا قاسيا حيث قلّ ناصره، وعزّ معينه، ووقف في حلبة الصراع، وأتون المعركة وحيدا مكسور الخاطر، مهيض الجناح، يكاد يهوى مغشيا عليه لولا لطف الله تعالى، ورعايته وكلاءته.
إن خديجة أول من أسلم من النساء، ولم يرد في ذكر فضلها ومناقبها أجل ولا أجمل من قوله صلى الله عليه وسلم:«والله ما أبدلني الله خيرا منها، آمنت بي حين كفر الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله منها الولد دون غيرها من النساء»«١» .
ولئن كانت صفحة خديجة قد انطوت إلا أن عبقها وذكرها وذكراها لا تزال باقية حية في روح النبي صلى الله عليه وسلم وفي وجدانه، فلم تبرح مخيلته ولم تفارق خياله، ولم تزايل وجدانه طرفة عين أو برهة من زمان.
لقد كانت روحها معه تشاركه همومه، وتقاسمه أتراحه وأفراحه، وتشاطره أحزانه ومواجيده، وكأنها لم تبرح الدنيا للعالم الاخر، وكأنها لم يكن في الدنيا امرأة سواها رضي الله عنها وأرضاها.
(١) أخرجه الإمام أحمد في المسند (٦/ ١١٨) و (٣/ ٨٩) .