وتارة أخرى كان يحملها صلى الله عليه وسلم على عاتقه؛ لتطل على نفر من الحبشة يلعبون الحراب ... كل هذا يبين لنا سعادته وغبطته عليه الصلاة والسلام بذلك. وقد ذكر هذا الإمام البخاري في صحيحه، وأحمد في مسنده.
وكانت دائما تذكر شهر شوال بالخير وتستحب لنسائها أن يدخلن فيه، لأنها خطبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم بنى عليها في شوال أيضا. وهذا دليل قاطع على شدة حبها وتعلقها، بل وامتلاء قلبها بحب حليلها صلى الله عليه وسلم. وكيف لا يكون هذا الحب الجارف متمكنا من حبات كيانها وهو من هو عليه الصلاة والسلام وسامة وقسامة وجمال خلق واستواء بنية، واستقامة منهج ونبي أمة، ورسول بعثه الله تعالى للعالمين بشيرا ونذيرا وهاديا إلى أحسن طريق وإلى أقوم سبيل ... إن حبها له صلى الله عليه وسلم كان في واقعه وحقيقته كسبا وغنما للدنيا والآخرة، ومن ذا الذي ينعم بسعادة الدنيا والفوز بالآخرة، ولا يحب من أسدى إليه سعادة الدارين، من إسباغ نعمة الدنيا مع نعيم الجنة.
هذه العروس التي لم تشب عن الطوق بعد، ولم يعجم عودها تجريب، إذ كان غصنها رطبا لدنا، كانت أحوج ما تكون إلى الملاطفة والملاعبة التي كفلها لها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان مسرورا بها كل السرور.
ومع تعلق قلبه صلى الله عليه وسلم بالفاتنة الحسناء لما كانت مطبوعة عليه من براءة ولما كانت مفطورة عليه من سجية نقية مبرورة، ودخيلة صافية، مع تعلقه بها وحبه إياها حبّا جما كثيرا، إلّا أن هذا الحب الكبير لم ينسه خديجة ولا ذكراها العطرة، ولا الأيام الحلوة الخوالي التي أنفقها معها، ولا الليالي الهادئة التي عاش فيها بين دفء أحضانها، ورقة شعورها.