ألا ترى أنك إذا وازنت هؤلاء الثلاثة الذين سميناهم عطاء ويزيد وليثاً بمنصور بن المعتر وسليمان الأعمش وإسماعيل بن أبي خالد في إتقان الحديث والاستقامة فيه وجدتهم مباينين لهم لا يدانونهم، لاشك عند أهل العلم بالحديث في ذلك للذي استفاض عندهم من صحة حفظ منصور والأعمش وإسماعيل وإتقانهم لحديثهم، وأنهم لم يعرفوا مثل ذلك من عطاء ويزيد وليث.
وفي مثل مجرى هؤلاء إذا وازنت بين الأقران كابن عون وأيوب السختياني مع عوف بن أبي جَمِيلة وأشعث الحمراني وهما صاحبا الحسن وابن سيرين، كما أن بن عون وأيوب صاحباهما، إلا أن البَون بينهما وبين هاذين بعيد في كمال الفضل وصحة النقل، وإن كان عوف وأشعث غير مدفوعيَن عن صدق وأمانة عند أهل العلم، ولكن الحال ما وصفنا من المنزلة عند أهل العلم.
وإنما مثلنا هؤلاء في التسمية ليكون تمثيلهم سمة يصدر عن فهمها من غبي عليه طريق أهل العلم في ترتيب أهله فيه، فلا يُقَصَّر بالرجل العالي القدر عن درجته ولا يرفع متضع القدر في العلم فوق منزلته، ويعطى كل ذي حق فيه حقه، وينزل منزلته.
وقد ذكر عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- أنها قالت: أمرنا رسول الله -صلى الله علية وسلم- أن نُنَزِّل الناس منازلهم، مع ما نطق به القرآن من قول الله تعالى:{وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [(٧٦) سورة يوسف]. فعلى نحو ما ذكرنا من الوجوه نؤلف ما سألت من الأخبار عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
فأما ما كان منها عن قوم هم عند أهل الحديث متهمون أو عند الأكثر منهم فلسنا نتشاغل بتخريج حديثهم، كعبد الله بن مسور أبي جعفر المدائني، وعمرو بن خالد، وعبد القدوس الشامي، ومحمد بن سعيد المصلوب، وغياث بن إبراهيم، وسليمان بن عمرو أبي داود النخعي، وأشباههم ممن اتهم بوضع الأحاديث وتوليد الأخبار.
وكذلك من الغالب على حديثه المنكر أو الغلط أمسكنا أيضاً عن حديثهم، وعلامة المنكر في حديث المحدث إذا ما عرضت روايته للحديث على رواية غيره من أهل الحفظ والرضا خالفت روايته روايتهم أو لم تكد توافقها، فإذا كان الأغلب من حديثه كذلك كان مهجور الحديث غير مقبوله ولا مستعمله.