للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فأخذ الدليل دلوا، وساروا إلى الماء، فلما خرج من القافلة، إذا هو بغدير من الماء، فقال الدليل: هذا هو العجب الذي لم أر مثله هذا موضع ليس فيه ماء، ولا على قرب منه!.

فرجع إليهم، وقال لهم: قد كفيتم المؤنة. عليكم بالحطب، فجمعوه ليسخنوا به الماء من شدة البرد، ثم أتوا إلى الماء ليأخذوه، فوجوده ساخنا يغلي، فازدادوا تعجبا، وفزعوا من ذلك الرجل، وقالوا إن لهذا العبد قصة وشأنا.

قال: فأخذوا في حفر قبره، فوجدوا التراب ألين من الزبد، والأرض تفوح مثل المسك الإذفر، وملئوا رعبا وفزعا، وكانوا إذا نظروا إلى التراب الذي يخرج من القبر، وجدوه صفة التراب، وإذا شمّوه، وجدوا رائحة كرائحة المسك.

فضربوا له خباء وأدخلوه فيه، وتنافسوا في كفنه، فقال رجل من القوم: أنا أكفنه، وقال آخر، أنا أكفنه. فاتفق رأيهم على أن يجعل كل واحد منهم ثوبا.

ثم إنهم أخذوا دواة وقرطاسا، وكتبوا صفته وعته، وقالوا: إذا وصلنا، إن شاء الله، المدينة، فلعل من يعرفه، وجعلوا الكتاب في أوعيتهم.

فلما غسّلوه، وأرادوا أن يكفنوه، كشفوا الثوب الذي كان عليه، فوجدوه مكفنا بكفن من الجنة، لم ير الراؤون مثله، ووجدوا على كفنه مسكا وعنبرا، وقد ملأت رائحة حنوطه الدنيا، وعلى جبينه خاتم من المسك، وعلى قدميه كذلك.

فقالوا: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. إن الله عز وجل قد كفّنه وأغناه عن أكفان العباد، ونرجو الله تعالى أنه قد أوجب لنا الجنة ورحمنا بهذا العبد الصالح، وندموا ندامة شديدة على تركه تلك الليلة حتى مات بالبرد.

ثم إنهم حملوه ليدفنوه، ووضعوه في بقعة سهلة ليصلّوا عليه، فلما كبّروا، سمعوا أصوات التكبير من السماء إلى الأرض، ومن المشرق إلى المغرب،

<<  <   >  >>