للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ودنت مني، سلمت عليّ، فرددت عليها السلام، فقالت لي: من أين أقبلت؟ فقلت" من عند حكيم لا يوجد مثله، فصاحت صيحة شديدة، ثم قالت: ويحك كيف وجدت معه وحشة الغربة حتى فارقته، وهو أنيس الغرباء، ومعين الضعفاء، ومولى الموالي؟! أم كيف سمحت نفسك بمفارقته؟.

فأبكاني كلامها. فقالت لي: مم بكاؤك؟ فقلت لها: وقع الدواء على الجرح، فأسرع في نجاحه، فقالت لو كنت صادقا، فلم بكيت؟ فقلت لها: فالصادق لا يبكي؟ قالت: لا. قلت: ولم؟ قالت: لأن البكاء راحة للقلب. وهو نقص عند ذوي العقول.

قلت لها: علميني شيئا ينفعني الله به.

قالت: اخدم مولاك شوقا إلى لقائه، فان له يوما يتجلى فيه إلى أوليائه، لأنه سبحانه سقاهم في الدنيا من محبته كأسا لا يظمؤون بعدها أبدا.

ثم أقبلت تبكي وتقول: إلهي وسيدي، إلى كم تدعني في دار لا أجد لي فيها أنيسا يساعدني على بلائي، ثم جعلت تقول:

إذا كان داء العبد حب مليكه

فمن دونه يرجى طبيبا مداويا

يا أخي، إذا طردك مولاك عن بابه؟ فإلى باب من ترجع، والى أي طريق تذهب، والى أي جهة تقصد؟ لازم باب مولاك، فلعل وعسى يثمر عودك.

وأنشدوا:

حنين قلوب العارفين إلى الذكر ... وتذكارهم عن المناجاة بالسر

وأجسامهم في الأرض سكرى بحبه ... وأرواحهم في ليل حجب العلى تسرى

عباد عليهم رحمة الله أنزلت ... فظلوا عكوفا في الفيافي وفي القفر

وراعوا نجوم الليل لا يرقدونه ... بإدمان تثبيت اليقين مع الصبر

فهذا نعيم القوم إن كنت فاهما ... وتعقل عن مولاك آداب من يدري

<<  <   >  >>