وأما من خصص التابعين وأتباعهم بقبول مراسيلهم فاحتج بقوله صلى الله عليه وسلم خير القرون الذي بعثت فيهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يفشو الكذب الحديث وهو صحيح مشهور
قال الرازي فإذا كان الغالب على أهل الزمان الفساد والكذب لم يقبل فيه إلا خبر من عرفناه بالعدالة والصدق والأمانة
قلت ومقتضى ذلك أيضا أن المجهول العدالة من القرن الرابع ومن بعده لا يقبل وقد صرح بذلك الشيخ جلال الدين الخبازي أحد أئمة الحنفية أيضا في كتابه أصول الفقه واحتج بأن العدالة أصل في أهل ذلك الزمان وأما القرن الرابع وما بعده فليس الأمر كذلك لظهور الفسق وكثرة الكذب كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم
وجواب هذا إن الحديث ليس فيه وجود الكذب في القرون الأخيرة بعد أن لم يكن موجودا بل قال صلى الله عليه وسلم ثم يفشو الكذب وذلك يقتضي أنه كان قبل ذلك في القرون الفاضلة لكنه غير فاش ولا كثير والمقتضي للتثبت في الحديث والفحص عن الرواة إنما هو دفع احتمال الكذب أو الغلط عن الرواة وإذا كان ذلك موجودا في تلك الأزمان لم يكن احتماله مندفعا ولهذا توقف ابن عباس رضي الله عنه عن قبول مراسيل بشير بن كعب وغيره وعلل ذلك بظهور الكذب بين الناس وهذا في آخر عصر الصحابة وأوائل عصر التابعين فكيف بمن بعدهم ويبين هذا أيضا وجود الكثيرين من التابعين ممن وصف بالكذب كالحارث الأعور وعطية بن سعيد العوفي ونحوهما وفي قصة عبد الله بن جعفر وغيرها مما تقدم تحقيق لذلك فالمقتضى لرد مراسيل القرن الرابع قائم بعينه في رد مراسيل من قبلهم لكنه في الأولين غير غالب بخلاف من بعدهم وقلة غلبته لا يقتضي قبول جميع المراسيل بل يفصل فيه بين من عرف من عادته أنه لا يرسل إلا عن ثقة وبين غيره كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى
وأما من فضل بين أئمة النقل المرجوع إليهم في الجرح والتعديل فقبل