عليهم ثيابهم مخافةً أن يتلطخ عليهم من دمه ودماغه، فلم يهجه بشيء وانصرف الناس، فقال عمٌّ لأبي جعفر: يا أمير المؤمنين، إن هذا مجلس قد حضره أهل الآفاق وينصرفون إلى البلاد فيخبرون بما كان إلى أمير المؤمنين من الجرأة، فلو قتلت هذا الكلب لئلا يجترئ عليك غيره من الناس.
فقال له أبو جعفر: ويحك، هذا رجلٌ قد بلغت منه صعوبة العبادة، وقد سمع الحديث:((إن أفضل الجهاد كلمة عدل قالها عند سلطان جائر يقتل عليها)) ، فطمع أني أقتله أفيراني أقتله وأريحه مما هو فيه من صعوبة العبادة؟ ولا والله ما أهيجه أبداً حتى يموت أو أموت.
أخبرنا أبي، قال: ذكر عبد الجبار بن سعيد المساحقي، عن أبيه، عن محمد بن إبراهيم الإمام قال: حضرت أبا جعفر المنصور بالمدينة وعنده ابن أبي ذئب فقال له أبو جعفر المنصور: يا ابن أبي ذئب، أخبرني بحالات الناس.
فقال: يا أمير المؤمنين، هلك الناس، وضاعت أمورهم، فلو اتقيت الله فيهم، وقسمت فيئهم فيهم.
فقال: ويلٌ لك يا ابن أبي ذئب، لولا ما بعثنا بذلك الفيء من البعوث وسددنا به من الثغور لأُتيتَ في منزلك وأُخذت بعنقك وذُبحت كما يذبح الجمل.