للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تَعْدُو عَدُوًّا سَرِيعًا وَكُنْت عَائِدًا فِي تِلْكَ اَلسَّاعَة إِلَى مَنْزِلِي فَرَأَتْنِي فَأَلْقَتْ نَفْسهَا عَلَيَّ وَقَالَتْ إِنَّهُمْ يُتْبِعُونَنِي وَإِنَّهُمْ إِنْ ظَفِرُوا بِي قَتَلُونِي فَارْحَمْنِي يَرْحَمك اَللَّه فَأَهَمّنِي أَمْرهَا وَذَهَبْت بِهَا إِلَى مَنْزِلِي وَأَخْفَيْتهَا فِي بَعْض حُجُرَاته وَمَا هِيَ إِلَّا سَاعَة حَتَّى دَخَلَ عَمّهَا وَوَرَاءَهُ أَعْوَان اَلْقَاضِي يَطْلُبهَا طَلَبًا شَدِيدًا فَأَنْكَرَتْ رُؤْيَتهَا فَلَمْ يُصَدِّقنِي وَأَخَذَ يَضْرِب أَبْوَاب اَلْحُجُرَات بَابًا بَابًا حَتَّى ظَفِرَ بِهَا فَصَاحَ هَا هِيَ اَلْفَتَاة اَلزَّانِيَة وَهَذَا صَاحِبهَا فَأَقْسَمَتْ لَهُ بِكُلّ مُحْرِجَة مِنْ اَلْأَيْمَان أَنَّهَا بَرِيئَة مِمَّا يَرْمِيهَا بِهِ فَلَمْ يُصْغِ إِلَيَّ وَأَمْر اَلْأَعْوَان فَاحْتَمَلُوهَا وَحَاوَلَتْ أَنْ أَحُول بَيْنهمْ وَبَيْنهَا فَضَرَبَنِي أَحَدهمْ عَلَى رَأْسِي ضَرْبَة طَارَتْ بِصَوَابِي فَسَقَطَتْ مَغْشِيًّا عَلَيَّ فَلَمْ أستفق إِلَّا بَعْد سَاعَة فَوَجَدَتْ اَلْحُمَّى قَدْ أَخَذَتْ مَأْخَذهَا مِنْ جِسْمِي فَلَزِمَتْ فَرَّاشِي بِضْعَة أَيَّام لَا أُفِيق سَاعَة حَتَّى يَتَمَثَّل لِي ذَلِكَ اَلْمَنْظَر اَلَّذِي رَأَيْته فَأَشْعُر بالرعدة تَتَمَشَّى فِي أَعْضَائِي فَأَعُود إِلَى ذُهُولِي وَاسْتِغْرَاقِي حَتَّى أَدْرَكَتْنِي رَحْمَة اَللَّه فأبللت مُنْذُ اَلْأَمْس تَمَّ مِنْ أَمْر تِلْكَ اَلْمِسْكِينَة فَجِئْت كَمَا تَرَانِي أُوَدِّعهَا اَلْوَدَاع اَلْأَخِير وَأُوَارِي جُثَّتهَا اَلتُّرَاب وَمَا أَنَا بالسالي عَنْهَا وَلَا بِالذَّائِقِ حَلَاوَة اَلْعَيْش مِنْ بَعْدهَا حَتَّى أَلْحَق بِهَا.

ثُمَّ أَلْقِي عَلَى قَبْرهَا نَظْرَة جَمَعَتْ فِي طَيَّاتهَا جَمِيع مَعَانِي اَلنَّظَرَات اَلْبَائِسَات مِنْ حُزْن وَبَأْس وَلَوْعَة وَشَقَاء وَمَضَى لِسَبِيلِهِ.

فَمَا أَبْعَدَ إِلَّا قَلِيلًا حَتَّى رَأَيْت اَلْقَمَر يَنْحَدِر إِلَى مَغْرِبه ثُمَّ مَا لَبِثَ أَنْ اِخْتَفَى فَإِذَا اَلْفَضَاء ظُلْمَة وَسُكُون وَإِذَا اَلسَّاحَة وَحْشَة وَانْقِبَاض فَصَعِدَتْ عَلَى رَبْوَة عَالِيَة مُشْرِفَة عَلَى اَلْقُبُور اَلثَّلَاثَة ثُمَّ تلفعت بِرِدَائِي وَأُلْقِيَتْ رَأْسِيّ عَلَى بَعْض اَلصُّخُور وَأَنْشَأَتْ

<<  <   >  >>