اَلَّذِي تُذَكِّرهُ إِلَّا اَلنَّزْر اَلْقَلِيل وَرُبَّمَا أَنْفَقَ باقيه عَلَى نَفْسه وَلَوْ اِسْتَطَعْت أَنْ أَرْفُض ذَلِكَ اَلْقَلِيل وَآبَاهُ لَفَعَلَتْ وَلَكِنِّي كُنْت أَضَنّ بِهِ أَنْ يُدَاخِل نَفْسه مَا يُرِيبهَا أَوْ يُؤْلِمهَا فَقَبِلَتْ مِنْهُ هَدَايَاهُ اَلصَّغِيرَة اَلَّتِي كَانَ يُقَدِّمهَا إِلَى مَنْ حِين إِلَى حِين إرعاء عَلَيْهِ وَإِبْقَاء عَلَى عِزَّة نَفْسه وَكَرَامَتهَا وَلَوْ أَنَّ مَا كَانَ بِيَدِهِ مَنْ لِمَال اِنْتَقَلَ إِلَى يَدِي كَمَا تَقُول لَأَصْبَحَتْ غَنِيَّة مَوْفُورَة لَا أَحْمِل هُمَا مِنْ هُمُوم اَلْعَيْش وَلَا أُعَانِي مِنْ بَأْسَاء اَلْحَيَاة وَضَرَّائِهَا مَا أُعَانِيه اَلْيَوْم فَإِنَّنِي لَوْ تَبَيَّنْت أَمْرِي اِمْرَأَة فَقِيرَة معوزة لَا أَمَلّك مِنْ مَتَاع اَلدُّنْيَا إِلَّا حَلَّايَ وَمَرْكَبَتِي وَأَثَاث بَيْتِيّ وَلَيْتَهَا كَانَتْ خَالِصَة لِي فَقَدْ اِمْتَدَّتْ يَد اَلضَّرُورَة إِلَيْهَا مُنْذُ عَهْد قَرِيب فَأَصْبَحَ اَلْكَثِير مِنْهَا سِلْعَة فِي يَد اَلْمُرَابِينَ وَلَا أُعَلِّم مَا يَأْتِي بِهِ اَلْغَد وَإِنْ أَبَيْت إِلَّا أَنْ أَتَعَرَّف ذَلِكَ بِنَفْسِك بِالْإِغْوَاءِ عَلَى مَا كَتَمَتْهُ عَنْ اَلنَّاس جَمِيعًا حَتَّى عَنَّ وَلَدك ثُمَّ قُمْت إِلَى خِزَانَة أَوْرَاقِي فَجِئْته مِنْهَا بِالصُّكُوكِ وَالْوَثَائِق اَلْمُشْتَمِلَة عَلَى بَيْع مَا بِعْت مِنْ جَوَاهِرِيّ وَخُيُولِي وَأَثَاث بَيْتِيّ وَرَهْن مَا رَهَنَتْ مِنْهَا فَظَلَّ يَقْبَلهَا بَيْن يَدَيْهِ سَاعَة وَيَتَأَمَّل فِي تَارِيخهَا طَوِيلًا ثُمَّ طَوَاهَا وَأَعَادَهَا إِلَى مُطْرِقًا صَامِتًا لَا يَقُول شَيْئًا وَمَدّ يَده إِلَى كُرْسِيّ بَيْن يَدَيْهِ فَاجْتَذَبَهُ إِلَيْهِ وَجَلَسَ عَلَيْهِ مُعْتَمِدًا بِرَأْسِهِ عَلَى عَصَاهُ وَقَدْ هَدَّأَتْ فِي نَفْسه تِلْكَ اَلثَّوْرَة اَلَّتِي كَانَتْ تَضْطَرِم وَتَعْتَلِج مُنْذُ دُخُوله وَطَارَتْ عَنْ وَجْهه تِلْكَ اَلْغَيْرَة اَلسَّوْدَاء اَلَّتِي كَانَتْ تُظَلِّلهُ مِنْ قَبْل فَعُدْت إِلَى حَدِيثِي مَعَهُ أَقُول عَلَى أَنَّنِي يَا سَيِّدِي غَيْر شَاكِيَة وَلَا نَاقِمَة فَقَدْ مَرَّ بِي مِنْ نوب اَلْأَيَّام وأرزائها مَا مَحَا مِنْ نَفْسَيْ كُلّ شَهْوَة مِنْ شَهَوَات اَلْحَيَاة وَأَنْسَانِي جَمِيع مَظَاهِر اَلدُّنْيَا وَمَفَاخِرهَا فَأَصْبَحَتْ لَا أُبَالِي بِمَا تَأْتِي بِهِ اَلْأَيَّام وَسَوَاء لَدَيَّ اَلْفَقْر وَالْغِنَى وَالْحُلِيّ وَالْعِطْر وَسُكْنَى اَلْقَصْر وَسُكْنَى اَلْكُوخ وَرُكُوب اَلْمَرْكَبَة وَرُكُوب
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute