اِسْتَيْقَظَ اَلْفَتِيّ جلبرت فِي اَلسَّاعَة اَلَّتِي يَسْتَيْقِظ فِيهَا مِنْ صَبَاح كُلّ يَوْم فَعَمَدَ إِلَى بَقَرَته فَحَلَّ عِقَالهَا ثُمَّ هَتَفَ بِاسْم سُوزَان يَدْعُوهَا إِلَى اَلذَّهَاب مَعَهُ إِلَى اَلْمَرْعَى فَلَمْ تَجُبّهُ فَصَعِدَ إِلَى غُرْفَتهَا فِي سَطْح اَلْمَنْزِل لِيُوقِظهَا فَلَمْ يَجِدهَا فَسَأَلَ عَنْهَا أُمّه فَلَمْ تَعْلَم مَنْ أَمْرهَا أَكْثَر مِمَّا يَعْلَم فَظَنَّ أَنَّهَا خَرَجَتْ لِقَضَاء بَعْض اَلشُّؤُون ثُمَّ تَعُود فَلَبِثَ يَنْتَظِرهَا وَقْتًا طَوِيلًا فَلَمْ تَعُدْ فَرَابَهُ اَلْأَمْر وَأَعَادَ اَلْبَقَرَة إِلَى معتلفها وَخَرَجَ يُفَتِّش عَنْهَا فِي كُلّ مَكَان وَيُسَائِل عَنْهَا اَلنَّاس جَمِيعًا غاديهم ورائحهم فِلْمَيْ جَدّ مَنْ يَدُلّهُ عَلَيْهَا حَتَّى أَظَلَّهُ اَللَّيْل فَعَادَ حرينا مُكْتَئِبًا لَا يَرَى أَنَّ أَحَدًا عَلَى وَجْه اَلْأَرْض أَعْظَم لَوْعَة مِنْهُ وَلَا أَشْقَى أُمّه قَابِعَة فِي كَسْر اَلْبَيْت مِطْرَقَة بِرَأْسِهَا تفلي اَلتُّرَاب بِعُود فِي يَدهَا فَدَنَا مِنْهَا فَرَفَعَتْ رَأْسهَا إِلَيْهِ وَقَالَتْ لَهُ أَيْنَ كُنْت يَا جلبرت ? قَالَ فَتَّشْت عَنْ سُوزَان فِي كُلّ مَكَان فَلَمْ أَجِدهَا فَأَلْقَتْ عَلَيْهِ نَظْرَة مَمْلُوءَة حُزْنًا وَدُمُوعًا وَقَالَتْ خَيْر لَك يَا بَنِي أَلَّا تَنْتَظِرهَا بَعْد اَلْيَوْم فَانْتَفَضَ اِنْتِفَاضَة شَدِيدَة وَقَالَ لِمَاذَا قَالَتْ قَدْ دَخَلَتْ عَلَى اَلسَّاعَة جَارَتنَا فُلَانَة فَحَدَّثَتْنِي أَنَّهَا مَا زَالَتْ تَرَاهَا مُنْذُ لَيَالِي تَخْتَلِف إِلَى اَلْبُحَيْرَة لِلِاجْتِمَاعِ عَلَى ضِفَافهَا بِفَتِيّ حَضَرِيّ غَرِيب عَنْ هَذِهِ اَلْمُدِرَّة أَحْسَبهُ اَلْمَرْكَز جُوسْتَاف صَاحِب هَذِهِ اَلْمَزَارِع اَلَّتِي تَلِينَا وَالْقَصّ اَلْأَحْمَر اَلَّذِي يَلِيهَا وَقَالَتْ لِي إِنَّهَا رَأَتْهَا لَيْلَة أَمْس بَعْد مُنْتَصَف اَللَّيْل رَاكِبَة وَرَاءَهُ عَلَى فَرَس أَشْهَب يَعْدُو بِهَا فِي طَرِيق اَلْقَصْر اَلْأَحْمَر وَلَا بُدّ أَنَّهَا فَرَّتْ مَعَهُ فَصَرَخَ جلبرت صَرْخَة جَادَتْ لَهَا نَفْسه أَوْ كَادَتْ وَخِدْر فِي مَكَانه صَعِقَا فَلَمْ تَزَلْ أُمّه جَاثِيَة بِجَانِبِهِ اَللَّيْل كُلّه تَبْكِي عَلَيْهِ مَرَّة وَتَمْسَح جَبِينه بِالْمَاءِ أُخْرَى حَتَّى استفاق فِي مَطْلَع اَلْفَجْر فَنَظَرَ حَوْله نَظْرَة حَائِرَة فَرَأَى أُمّه مكبة عَلَى وَجْههَا تَبْكِي فَذَكَرَ كُلّ ذَلِكَ فَأَطْرُق هُنَيْهَة ثُمَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute