للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مَضَى اَللَّيْل إِلَّا أُقِلّهُ وَسُوزَان جَالِسَة إِلَى نَافِذَة قَصْرهَا اَلْمُشْرِفَة عَلَى اَلنَّهْر تَلْتَفِت إِلَى سَرِير اِبْنَتهَا مَرَّة وَتَقَلَّبَ وَجْههَا فِي اَلسَّمَاء أُخْرَى وَكَانَ اَلْقَمَر فِي لَيْلَة تمه فَظَلَّتْ تُنَاجِيه وَتَقُول:

أَيُّهَا اَلْقَمَر اَلسَّارِي فِي كَبِد اَلسَّمَاء هَا أنذا فِي لَيْلَة تمك وَحْدِي لِلْمَرَّةِ اَلرَّابِعَة وَالْعِشْرِينَ فَهَلْ يَعُود إِلَى خَطِيبِي جُوسْتَاف فَيَنْظُر إِلَيْك مَعِي كَمَا كَانَ يَفْعَل مِنْ قَبْل.

لَقَدْ كُنْت لِي أَيُّهَا اَلْكَوْكَب اَلْمُنِير نِعَم اَلْمُعَيَّن فِي لَيَالِي اَلْمُوحِشَة عَلَى هُمُومِي وَأَحْزَانِي فَهَلْ تَسْتَطِيع أَنْ تُحَدِّثنِي عَنْ جُوسْتَاف أَيْنَ مَكَانه وَمَتَى يَعُود وَهَلْ نَلْتَقِي قَرِيبًا فَيَتِمّ بِذَلِكَ يَدك عِنْدِي ? حَدَّثَنِي عَنْهُ. . هَلْ يُذَكِّرنِي كَمَا أَذْكُرهُ وَهَلْ يَحْفَظ عَهْدِي كَمَا أَحْفَظ عَهْده ? وَهَلْ يَجْلِس إِلَيْك حِينًا فَيَسْأَلك عَنِّي كَمَا أَسْأَلك عَنْهُ ? فَإِنَّ فِعْل فَقُلْ لَهُ إِنَّ اِبْنَته جَمِيلَة جِدًّا جِمَال اَلِابْتِسَامَة اَلْحَائِرَة فِي فَم اَلْحَسْنَاء وَبَيْضَاء بَيَاض اَلْقَطْرَة اَلصَّافِيَة فِي اَلزَّنْبَقَة اَلنَّاصِعَة تَحْت اَلْأَشِعَّة اَلسَّاطِعَة وَقُلْ لَهُ إِنَّهَا لَا تَهْتِف بِاسْم غَيْر اِسْمه وَلَا تَبْتَسِم لِرَسْم غَيْر رَسْمه وَإِنَّهُ إِنْ رَآهَا أَغْنَتْهُ رُؤْيَتهَا عَنْ اَلْمِرْآة اَلْمَجْلُوَّة لِأَنَّهُ يَرَى صُورَته فِي وَجْههَا كَمَا تَتَشَابَه اَلدُّمْيَتَانِ اَلْمُصَوِّبَتَانِ فِي قَالَب وَاحِد.

وَلَمْ تَزَلْ تُنَاجِي اَلْقَمَر بِمِثْل هَذَا النجاء حَتَّى رَأَتْهُ يَنْحَدِر إِلَى مَغْرِبه فَوَدَّعَتْهُ وَدَاعًا جَمِيلًا وَقَالَتْ إِلَى اَلْغَد يَا صَدِيقِي اَلْعَزِيز. . .

ثُمَّ قَامَتْ إِلَى سَرِير اِبْنَتهَا فَحَنَّتْ عَلَيْهَا بِرِفْق وَقَبِلَتْهَا فِي جَبِينهَا قُبْلَة اَلْمَسَاء وَذَهَبَتْ إِلَى مَضْجَعهَا وَمَا هُوَ إِلَّا أَنْ عَبِثَتْ بِجَفْنِهَا اَلسَّنَة اَلْأُولَى مِنْ اَلنَّوْم حَتَّى أسلمتها أَحْلَامهَا إِلَى أَمَانِيهَا وَآمَالهَا فَرَأَتْ كَأَنَّ جُوسْتَاف قَدْ عَادَ مَنْ سِفْره فَاسْتَقْبَلَتْهُ هِيَ وَابْنَتهَا

<<  <   >  >>