أصله من الذّباب، وذلك إنّه طنّ على سمعك أو لهج بطيرانه في وجهك طردته بيدك، ونفضت عليه طرف كمّك، فسمّي هذا الفعل ذبًّا، ثم أسبغ المعنى فيما وسعه للطافة اللفظ ووضوح الغرض.
وهذا النظر أصلٌ كبير من أصول الكلام، لأنك إذا جددت في الفحص عن دفائن هذا الباب انثال عليك من الشاهد والمثل والدّليل والعلل ما يقوّي في نفسك حكم الاشتقاق وتتبّع المعاني. ألا ترى أنك إذا استوضحت جليّة المعاني في قولهم: يغير والغَيرة والغِيرة والغارة وغار الماء وأغار الجبل والغوار والمغاورة، وغار وأنجد، وتغايرت الضّرائر، وغيّره طول العهد - وجدتها مشتقّةً من قولك: هذا غير هذا؟! فتأمّل ذلك ببصيرتك فقد فتحت لك بابها، ورفعت سجفها، وذلّلت الطريق إليها، وإنّ الاشتقاق مضطرٌّ إلى المصير إليه والعمل عليه ولو كره ذلك.
٨٥٠ب - وكان نفطويه ممن يأبى الاشتقاق، ويزعم أن الأسماء كانت توافت متشابهةً في الصّورة والصّيغة وإّلا فلا اشتقاق، لأنك متى أسّست الاشتقاق في أسماء أساساً لم تنته منه إلى حدّ، وذلك أنك تدّعي أن هذا الاسم شقّ من هذا الاسم، وهذا اللفظ أطلق لهذا المعنى، فيلزمك أن تمرّ أبداً على