ذلك، لأنّ الثاني ليس بأولى بأن يكون مأخوذاً من الثالث من الأول من الثاني، ولا الثالث أولى بأن يكون مأخوذاً من الرابع من الثاني من الثالث؛ هكذا حكاه لنا أبو القاسم التّميمي اللغوي، وكان قدم بغداد مع عضد الدّولة سنة أربعٍ وستين وثلاثمائة، وشاهدته، وكان جيّد الكلام فسيح العارضة، وكان يقرف بالكذب مع هذا كلّه، والكذب شينٌ، وحسبك خساسةً بخلةٍ ماحقةٍ لكلّ خلّةٍ حسنة، أعاذنا الله تعالى منه ولا اضطرنا إليه.
٨٥٠ - وكان ركن الدّولة يقول: منافع الكذب في وزن منافع الصّدق، ولو ارتفع جملةً لبطل الانتفاع كله بالدّين والدنيا؛ هذا قاله بالفارسية، ولكن حكاه لي ابن مكرّم الكاتب، وكان خصّيصاً به أثيراً عنده. فأما أبو عبد الله المحتسب بفارس، وكان يعرف بجراب الكذب، فإني سمعته يقول: إن منعت من الكذب انشقّت مرارتي، وإني لأجد به مع ما يلحقني من عاره ما لا أجد من الصّدق مع ما ينالني من نفعه؛ وهذا غاية الشّقاء ونهاية الخذلان، ولا حول ولا قوة إّلا بالله العليّ العظيم.
نعم: فأما صاحب المنطق فإنه جعل الاشتقاق فنًّا من الفنون في الكلام، وقد بيّنه في كتابه في المقولات.