للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كإسراره، لا يقفوه قاف وإن تقصى السداد، ولا يلحقه لاحق وإن ركض الجواد؛ والحسن البصري، فإنك إذا نظرت إلى كلامه ومواعظه وزهده وحكمته، عرفت علو درجته، وسلطان دينه، وقوة عقدته، وانفتال مريرته، ونقاء طويته، مع العفة في الدين، والصبر المتين، والأحتساب العظيم؛ وأبي عثمان الجاحظ، فإنك لا تجد مثله، وإن رأيت ما رأيت رجلاً أسبق في ميدان البيان منه، ولا أبعد شوطاً، ولا أمد نفساً، ولا أقوى منة، إذا جاء بيانه خجل وجه البليغ المشهور، وكل لسان المستحنفر الصبور، وانتفح سحر العارم الجسور؛ ومتى رأيت ديباجة كلامه رأيت حوكاً كثير الوشي، قليل الصنعة، بعيد التكلف، حلو الحلى، مليح العطل، له سلاسة كسلاسة الماء، ورقة كرقة الهواء، وحلاوة كحلاوة الناظل، وعزة كعزة كليب وائل. فسبحان من سحر له البيان وعلمه، وسلم في يده قصب الرهان وقدمه، مع الأتساع العجيب، والأستعارة الصائبة، والكتابة الثابتة، والتصريح المغني، والتعريض المنبي، والمعنى الجيد، واللفظ المفخم، والطلاوة الظاهرة، والحلاوة الحاضرة، إن جد لم يسبق، وإن هزل لم يلحق، وإن قال لم يعارض، وإن سكت لم يعرض له.

<<  <  ج: ص:  >  >>