للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الحراني الصابىء الفيلسوف كان يقول: فضلت أمة محمد صلى الله عليه وسلم العربي على جميع الأمم الخالية بثلاثة لا يوجد فيمن مضى مثلهم:

بعمر بن الخطاب في سياسته، فإنه قلم أظفار العجم، ولطف في إيالة العرب، وتأتى لتدبير الحروب، وأشبع بطون العرب، وألبس الدين جلباباً، وفتح له أبواباً، وهيأ له شرائط وأسباباً، ثم لم يرزأ من جميع الغنائم والفتوح شيئاً، وصحب عمره بالقناعة التي لا تجيب إليها نفس، مع القدرة والتمكين والسلطان والسطوة والهيبة والطاعة والإجابة، ومزج الدنيا بالدين، وأعان الدين بالدنيا، ودارى في موضع المداراة، ومارى في موضع المماراة، وأظهر الضعف مع قرة، وأظهر القوة مع رأفة، وأظهر الرأفة مع التقصي، فدانت له القلوب، وذلت له الرقاب، وتناجت القلوب بمحبته، وتناصرت الألسنة بالثناء عليه، نومه لليقظة، وراحته للدأب، وقسوته للرحمة، ومنعه للعطاء، وصمته للعبرة، وقوله للفائدة، ومشيه للإغاثة، ينفض الليل بنفسه، ويعترف في كل أمر بتقصيره، ولا يرضى ببذل مجهوده، نقاب يحدث بالغائب، إن آرتأى لم يقل، وإن قال لم يخل، وإن تواضع لم يذل، أحواله تتناسب، وأموره تتشابه، ليله كنهاره، وسره كإجهاره، وإبطانه كإظهاره، وعلانيته

<<  <  ج: ص:  >  >>